لا شك أن مصر تعيش في أزمة . الآن، مصر تعيش فوضى جماهيرية ؛ تعكس فوضى عقل . مصر اليوم ليست هي مصر طه حسين، والعقاد، وزكي نجيب محمود، وعبدالرحمن بدوي، وغالي شكري، ونجيب محفوظ، وعبدالوهاب المسيري، وإنما هي مصر أحمد عدوية، وشعبان عبدالرحيم، ووجدي غنيم، ومحمد سعد، و(القرموطي)...إلخ سلسلة المُهرّجين إن خطاباً مليئاً بالخرافات والأكاذيب والأساطير اللامعقولة - كخُطبة / خُطَب الحكواتي - لايمكن أن يمرّ أو يُمرّر على جماهير متحضرة، تتوفر ولو على أدنى مستويات المعقولية التي يوفرها - أو من المفترض أن يوفرها - الحد الأدنى من التعليم العام. فمجرد معرفة الأبجديات التي يوفرها النسق العقلاني للتعليم العام، كفيلة بإثارة روح الرفض لمثل هذا الخطاب الهذياني، هذا الخطاب الذي لايمكن أن يهضمه إلا وعي مُغرِقٌ في التخلف ؛ بحيث يتناسب مستوى تخلف المُنْتج للخطاب (= الخطيب : الحكواتي) مع مستوى تخلف المستهلكين (= الجماهير المحتفية بخطاب الحكواتي الخرافي). إن خطاباً كهذا الخطاب التخريفي يهُين - بأقسى وأبشع درجات الإهانة - كل العقول التي تلقته بالقبول الصامت (فما بالك بالقبول الناطق - المؤيد !)؛ حتى ولو كانت تتقبله من باب السياسة المُتَذَاكِية القائلة: " مَنْ خَدَعنا، فانْخَدَعْنَا له، فقد خَدَعْناه "، إذ لا يسع من يسمع مثل هذا المستوى الفاضح من التزييف والكذب والتخريف والتدليس والنفاق الممجوج ؛ إلا أن يدفع عن عقله التهمة بالاستنكار العلني . وهذا - للأسف - ما لم يحدث من معظم مفكري مصر وإعلامييها، أولئك الذين لا يُتَصوّر أن يغيب عنهم ما في خطاب الحكواتي من كذب ونفاق وتدليس. 3 - القسم الثالث مما ذكره الحكواتي عن مصر، هو ما يمكن تصنيفه في خانة: ما ليس حقيقة وليس كذبا. إنها وقائع وحقائق يمارس الحكواتي - عن جهل أحيانا، وعن إرادة تتعمد الخداع في أحايين أخرى - أردأ صور التدليس، وأخبث فنون التلبيس، يمارسها وهو مطمئن إلى أن جمهوره الصاخب بتحيته، إما أنه جاهل سيبتلعها دون أن يتفحصها ولو بسؤال بريء، وإما أنه شريك في عملية التجهيل، سيُمَرّرها؛ لأنها تخدم خطه الأيديولوجي، أو لأنها ترضي حاجته إلى الإشباع الوجداني، ولو بالوهم الجميل !. لقد أكّد الحكواتي للمصريين- من على منابر الخطابة المقدسة - أنهم أحفاد الأنبياء، وذكر موسى ويوسف ويوشع - عليهم السلام - . والحكواتي يعرف، كما يعرف المصريون أيضا - أنهم ليسوا أحفاد موسى، وإنما هم أحفاد الفراعنة الذين خاض موسى - عليه السلام - حربه الضروس معهم . وكل فرد في مصر يدرك هذه الحقيقة، وينسب نفسه - عرقيا وحضاريا - إلى بُناة الأهرام (= الفراعنة)، إلى الحضارة التي تمتد لأكثر من سبعة آلاف عام. وكل زاوية وناحية في مصر، من الجداريات في مطاراتها، إلى أصغر متحف في أبعد قرية، تعكس اعتزاز المصريين بهذا التاريخ العريق. الحكواتي يعرف (وهذه من البدهيات العلمية المجمع عليها في علم الأعراق) أن الإسرائيليين هم المرتبطون - نسباً/ عرقاً - بأنبياء بني إسرائيل . لكنه، ومن باب رفع درجة الدُّوار في حفلة الزار، ينافق نفاقا مفضوحا؛ بقلب الحقائق العلمية / التاريخية، وإيرادها معكوسة، والسكوت عن بقية ما تشير إليه النصوص التي يستشهد بها لتعزيز المديح الكاذب، فلا يذكر (فاستخف قومه فأطاعوه ..الآية)، وبقية الآيات والحقائق التاريخية التي لا تخدم الغاية الوظيفية لهذا الخطاب الممعن في التدليس من جهة، والمتبجح - بلا حياء - بالنفاق الوقح من جهة أخرى. إضافة إلى هذا التدليس المرتبط بحقائق متقررة في صلب الخطاب المقدس، يُورد الحكواتي وقائع تاريخية مرتبطة بالأشخاص أو بالأماكن، ولكن بعد أن (يحذف)، و(يضيف)، و(يكتم) كثيرا من عناصرها الرئيسة؛ لتخدم وظيفة خطابه الذي يتغيا هدفا واحدا ملك عليه قلبه وعقله، وهو : نصرة حكومة الإخوان . فمثلا، يستحضر - إما عن جهل وغباء، أو عن تجاهل واستغباء - شخصية أبي الطيب المتنبي، باعتباره من الشخصيات التي زارت مصر (وكأن الزيارة تتضمن - بالضرورة - معنى إيجابياً)، ثم يورد بعض أشعاره التي يفتخر فيها بنفسه. وبعيداً عن كون الأبيات الفخرية لا تناسب المقام النفاقي الذي هو بصدده، فإن المتنبي ذاته، ليس من الشخصيات المُعجبة بمصر، بل هو من الكارهين لها، وله من الأشعار فيها ما لا يعجب المصريين استحضاره . ولهذا لما ضاق صدر الشاعر المصري: حافظ إبراهيم بأبناء وطنه قال - معنفا ومُعاتبا - : وماذا بمصر من المُضحكات كما قال فيها أبو الطيبِ قاله مُتناصا مع المتنبي؛ لأن المتنبي يقول في قصيدة هجائية بذيئة بعد هروبه من مصر : وماذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبُكا وكل هجائيات المتنبي لكافور (ومنها هذه القصيدة) ملغومة بهجاء المصريين، بل كثيرا ما يُصرّح في مديحه لكافور أنه لا يمدح كافورا، وإنما هو يهجو المصريين. يقول عن مديحه لكافور: فما كان ذلك مدحاً له ولكنه كان هجو الورى والورى - هنا - ليسوا عموم الناس، وإنما هم من يحكمهم كافور تحديدا؛ لأنه يصرح بذلك في هجائية أخرى : جاز الأولى مَلَكتْ كفّاك قدرهم فعُرّفوا بك أن الكلب فوقهم ونحن هنا إذ نورد هذا، نؤكد - وبوضوح تام - أن المتنبي كان ظالماً لمصر وللمصريين، وأن غضبه الأعمى على كافور طغى على كل شيء له ارتبط بإقامته المأساوية بمصر . إننا لم نذكر موقف المتنبي هنا إلا لنؤكد جهل وغباء الحكواتي؛ عندما يستحضر شخصية المتنبي في سياق امتداحه لمصر. ولا شك أنه استحضار يفضح الجهل والكسل المعرفي، وربما لم يَعلق بذاكرته إلا أن المتنبي زار مصر يوما ما، الحكواتي لم يعرف ملابسات الحدث، فضلا عن أن يعرف أشعار المتنبي، ومن المؤكد أنه لم يتصفح ديوانه مجرد تصفح، فضلا عن أن ينخرط في الجدليات الشعرية المعقدة لمالئ الدينا وشاغل الناس. ومما له علاقة بالتدليس، وخاصة التدليس المرتبط بالسكوت عما لا يسكت عنه خطاب الحكواتي، ولا خطاب المدرسة التقليدية التي ينتمي إليها الحكواتي، ما كان من ثنائه على الأزهر وعلى علماء الأزهر؛ إذ بدا الحكواتي مادحاً للأزهر، مزكياً له في دوره الإسلامي، بينما اعتقاده الإيماني الراسخ - واعتقاد مدرسته التقليدية الأثرية من ورائه - هو أن الأزهر لا يمثل العقيدة الإسلامية الصحيحة (العقيدة التي يدّعي الحكواتي، ومدرسته من ورائه، أنهم المُمَثّلون الشرعيون الوحيدون لها!)؛ بسبب أشعرية الأزهر المعلنة، بل هو (= الأزهر) في عرفهم مركز من مراكز الابتداع . ولكن، قاتل الله التسييس الحركي الذي جعل الغاية (= نصرة حكومة الإخوان) تُبرّر الوسيلة (= السكوت عن الانحراف العقدي في المذهب الأشعري - كما يزعمون) . من يعرف تاريخ الحكواتي يعرف أنه تربى على عقيدة أثرية، مُجَسّمة، منغلقة على ذاتها، عقيدة تؤكد أن الأشاعرة " هم خَلَفُ المشركين، وأنهم بئس الخلف لأولئك السلف " (كما ورد - نصا - في أحد متونهم العقدية). وأتحدى الحكواتي أن يقول - في كلمة صريحة واضحة - ما يصحح به عقيدة الأزهر الأشعرية. بل أتحداه أن ينفي عنهم - صراحة - صفة الضلال الأشعري، كما أتحدى علماء الأزهر أن ينكروا علمهم بحقيقة اعتقاد الحكواتي فيهم، وحقيقة اعتقادهم فيه، إذ هم في النهاية يصمونه - دونما تصريح - بالتجسيم، أو - على الأقل - بنوع من التجسيم!. لهذا، كانت مُناداة الحكواتي بالوحدة الإسلامية نوعا من الكوميديا السوداء؛ لأنه - ومن مبدأ عقدي راسخ - لا يؤمن بإمكانية التوحد مع دعاة البدعة والضلال، بل يرى أن الأصل حربهم وقمعهم والتضييق عليهم في الفعال والمقال؛ إلا أن تدعو للسلم دواعي الحرب والنزال، لا دواعي التخاذل والاستسهال . أقول : هو يفعل ذلك من مبدأ عقدي، وليس من مبدأ سياسي ميكافيللي. أي أنني يمكن أن أتفهم هذا الموقف من الحكواتي لو أنه كان مبعوثا سياسيا لا يتمسّح بالدعوة إلى الله، ولا يؤكد - بكل مناسبة، ومن غير مناسبة أيضا - أن مهمته نشر العقيدة الصحيحة الصافية صفاء الماء الزلال!. أما تسامح الحكواتي مع الأقباط المسيحيين، فقد كان - لمفارقته الصارخة - موقفا زاخرا بالمعاني المضحكة التي تستطيع أن تلهم حتى أشد رَسّامي الكاريكاتير فشلا، كما وأنه - من زاوية أخرى - زاخر بالمعاني المأساوية التي تثير أقوى مشاعر الغضب؛ جراء كل هذا الكم الهائل من التعامل النفاقي الداعر مع مشاعر هؤلاء الأبرياء الداعين إلى التعايش في محبة وإخاء. من رأى المشهد التلفزيوني الذي جمع الحكواتي بأحد رجال الدين المسيحيين، ورأى كيف بدأ رجل الدين المسيحي بتحيته، والدعوة له، وإشعاره بأجواء أعياد الميلاد، وكيف بدا الحكواتي حذرا في كلامه (كأنما يمشي في كلامه على البَيْض!)؛ حتى لا يسقط - عقديا - في تهنئة هذا المسيحي بأعياده، أقول : من رأى ذلك، رثى لهذا المسيحي الساذج الذي غرّه هذا التسامح النفاقي المُتَخَابِث، هذا المسيحي الساذج الذي لا يعرف ما تنطوي عليه نفسية الحكواتي في تلك الساعة من عداء ملتهب، يتمنى فيه لو جعل هذا القبطي ونساءه وأبناءه وأمواله غنيمة له في ساعة من ليل أو نهار. إن تاريخ الحكواتي يحكي - بوضوح فاضح - أنه من دعاة الفتنة والفرقة حتى بين أبناء الدين الواحد، وله في ذلك سوابق يندى لها جبين التسامح . فكيف - والحال كذلك - يتصور أي أحد - من داخل مصر أو من خارجها - أنه من دعاة التعايش والتعاون والتكافل السياسي والديني والاجتماعي؟ لماذا لم يكلف أحدهم نفسه ؛ فيبحث في الانتماء العقدي له، ويكشف للجميع ما يعنيه هذا الانتماء من عداء مسعور لكل المخالفين من قريب أو بعيد؟ لماذا لم يتبرع أحدهم ؛ فيبحث في التاريخ الحركي له، أو حتى في خطابه الوعظي، خاصة وأن وسائل البحث والرصد لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها، و وضعتها تحت مجهر الباحثين عن الحقيقة؟ ولكن، يبدو أن الحقيقة غابت ؛ لما غاب طلابها أو غُيّبوا . إذن، خطاب الحكواتي يحتوي على خدعة تم تقسيمها - من أجل الوعي بها - على ثلاثة محاور، حيث نرى في الأول : الحقيقة العلمية / التاريخية التي يتم استحضارها في ظرف زمني خاص لهدف خاص، والثاني : مجموعة من الأكاذيب والخرافات والأساطير التي يعرف الجميع زيفها منذ الوهلة الأولى، والثالث : الحقائق التي يجري التدليس بها أو عليها، بالإضافة أو التحوير أو السكوت . وكل هذه المحاور الثلاثة تكفي - لو منحناها قليلا من تأمل - لكشف تهافت خطاب الحكواتي، ذلك الخطاب الساقط علميا، والساقط أخلاقيا، والساقط سياسيا على المدى البعيد. لكن، يبقى السؤال الأهم، وهو : إذا كان خطاب الحكواتي على هذه الدرجة من السقوط العلمي والأخلاقي والسياسي ...إلخ ؛ فلماذا يُصدّق المصريون خطابا نفاقيا تخريفيا كهذا الخطاب؟ هل مجرد كونه مديحاً في مصر والمصريين، يكفل له الحصانة ضد الرفض والإدانة؛ حتى ولو كان تخريفا سخيفا، ونفاقا منزوع الحياء؟ هل هناك في مصر - مصر الوطن ومصر الشعب - ظمأ شديد للكرامة؛ بحيث جعل المصريين يقبلون بأي كلام يقيم أود الروح، وبأي شهادة تُرمّم تصدعات النفس المهزومة، ومن أيّ أحد، حتى ولو من متطرفٍ أهوجٍ نزق، ثناؤه - في الحقيقة - هجاء صريح؟ لا شك أن مصر تعيش في أزمة . الآن، مصر تعيش فوضى جماهيرية ؛ تعكس فوضى عقل . مصر اليوم ليست هي مصر طه حسين، والعقاد، وزكي نجيب محمود، وعبدالرحمن بدوي، وغالي شكري، ونجيب محفوظ، وعبدالوهاب المسيري، وإنما هي مصر أحمد عدوية، وشعبان عبدالرحيم، ووجدي غنيم، ومحمد سعد، و(القرموطي)...إلخ سلسلة المُهرّجين . طبعا، لم تفلس مصر من العقلانية تماما، فلا تزال فيها ومضات من عصر مضى، ولكن الجولة اليوم للمُهرّجين والدّجَاجلة المُحترفين صناعة الدجل . بقايا العقلانية لا تزال تحفظ مصر من السقوط، رغم سيطرة التيار الظلامي على كثير من مسارات القول والفعل . وما يدعو للتفاؤل الحذر، ما نراه من انتفاضات عقلانية في خضم هذا البحر الزاخر بالخرافة والدجل. لا تعدم اليوم في مصر صرخة عقل، حتى وإن كانت في واد سحيق. أبهجنا أن الفنان القدير: يوسف شعبان، علّق على خطبة الحكواتي التي دعا فيها رجال الأعمال لاستثمار أموالهم في مصر بقوله : " هو الرجل دا بيشحّت علينا" . هذه الكلمة تعكس انتفاضة عقل ؛ بقدر ما هي انتفاضة كرامة، ولا فرق بينهما ؛ فأمة بلا عقل، هي - بالضرورة - أمة بلا كرامة . ولهذا نحن لا نزال بقايا واقع مهزوم، وتراث مهزوم ؛ لأننا تنازلنا عن عقولنا بالكامل، واسترحنا إلى خزعبلات المشعوذين. لقد اعتقد بعض من قرأ مقالي السابق عن مأزق العقل الجماهيري أن الحكواتي كان هو المشكلة / القضية في المقال . الحكواتي ليس هو القضية، من حيث هو ظاهرة تافهة حد طغيان التفاهة، وإنما القضية / الإشكالية - التي تُسائل الوعي - متحددة في الجمهور المتلقي. وقد أكدت ذلك في المقال السابق ؛ عندما قلت ما نصه : " السؤال المركزي هنا، السؤال الذي يرسم حدود الكارثة، هو : كيف تنفعل كل هذه الجماهير - إلى درجة أن تفقد كل مستويات التفكير العقلاني - بخطاب كخطاب الحكواتي المتخم بالأكاذيب والنفاق والمراوغة، والمشحون بكل مستلزمات الهياج الأرعن؟" ومع كل هذا التحديد؛ وجدت من المُعلقين من لم يستطع التفريق بين تفاهة خطاب ما، وبين طغيان جماهيريته. بأدنى حدود المعقولية، لا أحد يماري في أن الجماهيرية لا تعني أي مستوى من مستويات الصوابية . والخطاب الإلهي صرّح بكون الأكثرية ليست معياراً للصواب، بل على العكس، هي مأسورة إلى خيارات الضلال . قال تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)، و(ولا تجد أكثرهم شاكرين)، و(وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك).. إلخ الآيات. ربما كان الأمر واضحا لصاحب التعليق، ولكن حماسته للحكواتي - ولما وراء الحكواتي من خطاب شعاراتي وجداني غرائزي، جعلته يؤشكل ما هو واضح، بل ما هو - كحقيقة يتم تكرارها في ذات الخطاب - واضح أشد ما يكون الوضوح . نحن نعرف أن عُبّاد البقر والحجر والشجر والبشر، وعُبّاد الأوهام، والمتجردين من كل تصور إلهي، هم الأكثرية في هذا العالم . ومع هذا، فكل خطاباتنا الدينية - على اختلافها، بل وعلى تناحرها الأزلي - كانت - ولا تزال - ترى في هذه الجماهيرية الكاسحة جماهيرية ضلال . ولايمكن - في سياق تصورنا الديني التوحيدي - أن ترتقي البقر أو الحجر إلى أي مستوى من مستويات القداسة لأن مئات الملايين تتوجه إليها بالعبادة. فالحجر / الصنم الذي لا يُعبد، والصنم الذي يعبده شخص واحد، والصنم الذي تعبده مئات الملايين، كلها ذات قيمة واحدة، لا تتعدى كونها أحجارا . ولا أحد منا يقول : إن تضخم أعداد المعتقدين بصنم ما، تعكس شيئا من صوابية الاعتقاد أو قدسية الصنم، وإنما الذي نؤكده - جميعا - أن كل تضخم في هذا، إنما يعكس مستوى شيوع الضلال، ويُتخذ دليلا على انحدار الإنسان - من منظور عقلاني - إلى مستويات دنيا؛ فتكون ملايين الجماهير - حينئذٍ - كالأنعام بل هي أضلّ سبيلا. وبما أن المر يتقرر - عقلا وشرعا - على هذا النحو ؛ فالأكثرية لا تعني شيئا، والحكواتي وجماهيريته ليسوا استثناء من هذا الاستدلال.