1 ذكر الأمير سعود الفيصل في كلمة له أن الأسباب الحقيقية لهذا الشتاء العربي الطويل، الذي سمي مرة ربيعا، هو الفشل في تحقيق التنمية، هذا يعني إن الأنظمة التي تستثمر في نفسها لتعزيز قدرتها على حفظ النظام والانضباط فشلت في التزاماتها نحو المحافظة على تحرك عربة التنمية إلى الأمام. لكن ما الذي يجعل الشعوب تنتظر رغم أنها يمكن أن تستشعر هذا التعطل في مدة أقصر من التي أخذته لتتحرك وتغضب؟ إنه مخزون الأمل في دم الشعوب، فالخوف من اليأس يأخذ بيد الشباب ليرميهم من أعلى طابق للغضب. فالتنمية التي تتعطل بظروف داخلية أو خارجية تمثل ضغطا كبيرا على مستوى جودة الحياة. فما القمة التي تعقد لبحث التعاون في مجال التنمية إلا قمة في اقتصاديات الأمل. 2 الأمل في (الوطن العربي) سكين يسافر في زبدة الخاصرة. مهرجان من الدم المتطاير، و الموت الحر يملأ المكان. هذا الأمل المعدني الرنان، الخاوي من أي شيء، هو ما تراه في أزقة مدننا العربية. الجامعات مصانع ل(المارشملو) الذي يحترق ساعة يخرج من علبته البيضاء المنمقة إلى العالم. الحرية غزال شرده الصيد الجائر، وما بقي منه تطارده الذئاب البوليسية. ليله مرصع بالرصاص لا بالنجوم. فالأمل عاطل من العمل، والشهداء يقتسمون رغيف الذاكرة تماما كما تقتسم المقاهي أرصفة المشاة في المدن العربية. 3 كنا نقول لا نكبة بعد النكبة، فتوالت النكبات وتساقطت الملكيات، وكنا نقول لا نكسة بعد النكسة، فتوالت النكسات وتساقطت القوميات، وكنا نقول لا سلام ولا استسلام، فتوالى الاستسلام وراء الاستسلام ولا سلام، واليوم تتساقط الدكتاتوريات كحبات البلوط فنتعثر فيها في طريقنا إلى التنمية. 4 إن من يصنع الأمل من الداخل أو يصدره من الخارج ينظر إلى هذه الفوضى العارمة ليقول إن ما يجري ليس سوى فوضى خلاقة. غير أن المتفحص لما نحن فيه من حال، سيجد أننا نحكم البيروقراطية في شئوننا بحذافيرها، وهي أكثر الأنظمة الإنسانية صرامة ضد كل أشكال الفوضى. فمن أين تجيء هذه الفوضى إذن؟ لا شك أن مفهوما جديدا يمكن أن نخرج به من هذا الواقع، وهو فوضى الفوضى الخلاقة. فلا يمكن الاتكال على خروج الشيء من اللاشيء، أو ما يبدو لنا عدما. هكذا ينظر إلى حركة التاريخ، مجموعة من الكواكب التي تتصادم مع بعضها لتنتج لنا كرة أرضية جديدة. إن هذه الصورة العدمية تضع الأمل بعيدا من التحقق، أعلى من أن يمشي مع الناس على الأرض، وهي الشر الذي يقف وراء هذه الفوضى غير الخلاقة. 5 إن الأمل، وصناعته، لا يقف عند المعنى البسيط لمفردة (الأمل) وحسب. بل يتعدى إلى معان أخرى. فالأمل زيت محرك العزيمة القوي، وهو رياح سفينة الإبداع الشراعية أيضا، وطوق السعادة وكعبها العالي. الأمل هذا الاستسلام الطبيعي العفوي لتداعي الأشياء حول حركة الزمن في انتظار أسطورة المستقبل، هو ما يمكن أن يصنعه مقهى جديد، وقافية يتدلى من تويجها الشذى. إنه (الأمل) الذي باستطاعته أن يصنع من مدينة حجرية إلى واد من الكروم. لكن إن كل ما حولك فخ لهذا الظبي الشريد، فما العمل؟