بعد نحو خمسة أعوام من نقل المدير إلى موقع آخر لم يحصل "أحمد" على ترقية كبقية زملائه في الشركة، بل تم فصله بسبب عدم تجاوبه مع متطلبات مهنته، التي كان "متسيباً" فيها خلال فترة مديره السابق، حيث كان يرتكز على علاقة الصداقة بينهما!، وتعلّم "أحمد" قيمة أن يكون مهنياً بعيداً عن العلاقة الشخصية، إذ إن المدير الجديد لن يُقدِّر بالضرورة تلك العلاقة التي لا تعنيه في شيء!. وكثيراً ما نشاهد نماذج على شاكلة "أحمد" يعتمدون بشكل كبير على علاقاتهم الشخصية مع المدير، مما يُنتج عنه بيئة عمل يغيب عنها العدل، مما يجعلهم في حالة من السرور والسعادة في ظل وجود المدير، وفي حال مغادرته أو ترقيته فإنهم يُصبحون في "مهب الريح"، عبر قدوم مدير جديد لا يعتمد على العلاقات الشخصية، بل من الممكن أن ينكشفوا سريعاً عبر إنتاجيتهم الضعيفة، مما يجعلهم عُرضة للاستبعاد، أو ربما تقديمهم للاستقالة، فهم تعودوا على "الدلال" و"عدم الإجهاد" في العمل في عهد المدير السابق!. وتحتاج بيئة العمل إلى مدير ناجح يعمل على التركيز على القيم أولاً وأخيراً، مثل العدل بين الموظفين، وكذلك تعزيز الروابط بينه والعاملين، إضافةً إلى تعزيز الروابط بين الموظفين عن طريق بعض الأنشطة التي تجمعهم، إلى جانب تفعيل أسلوب إعطاء المسؤوليات أثناء العمل، وهو ما يساعد على إنشاء علاقة مهنية لا يمكن للعلاقة الشخصية أن تؤثر سلباً فيها. حالة تسيّب وقال "عبدالرزاق العليو" -مدير إحدى المجموعات التجارية بالشرقية-: إن ظاهرة العلاقة الشخصية بين المدير والموظف قائمة، وعادةً تُستغل لإضعاف طبيعة العمل، مضيفاً أنه قد لا يكون هذا الاستغلال مقصوداً من الطرفين، إلاّ أن الواقع يشير إلى ذلك، مبيناً أن التغطية من قبل المدير على الموظف، واستغلال الموظف على ذلك يؤدي إلى خلق حالة من التسيب تكلف القطاع الخاص الكثير من المال، لافتاً إلى أنه في الجانب الحكومي ربما لا تظهر خسائر كما في القطاع الخاص؛ بسبب أن الدولة أوسع من الناحية المالية، أما المنشأة ومهما كبرت فإنها تتضرر، ذاكراً أن المدير لن يبقى على مدى عمر الموظف، ومن المؤكد أنه يتقاعد أو ينقل أو يستقيل، ومن هنا على الموظف أن يدرك مصلحته. لحظة ما يغادر المسؤول منصبه «نقلاً أو ترقية» ينتظرون موعد تقاعدهم علامات انتقام! وعن انتقام زملاء العمل من الموظف في حال رحل المدير عن داعمه، أوضح أن حالات الانتقام قد تحصل بين الموظفين الذين أخذ زميلهم يتكبر عليهم بسبب دعم المدير له، كما يرى الموظف نفسه متميزاً ليس بعمله، بل بواسطة المدير الذي تربطه به علاقة صداقة أو قرابة شديدة، مما يجعله يتصرف مع زملئه بتعالٍ، أو يعطي أوامر ليست من صلاحياته الوظيفية، الأمر الذي يؤدي إلى كرهه من قبل زملائه، مؤكداً على أنه في حال رحل المدير تظهر علامات الانتقام عبر التحرك الجماعي ضد الموظف المتعالي، الذي كان مستنداً على دعم مديره السابق، مشدداً على أهمية أن يكون التركيز على المهنية المطلوبة من قبل المدير والموظف، تلافياً لكل ما سيحصل مستقبلاً. غير منتج واتفقت "سعاد محمد الصبحي" -مديرة مكتب الإشراف التربوي في محافظة القطيف- مع "العليو" إذ ترى أن نوعاً من التسيب قد يطرأ في العمل، ويجعله غير مهني في حال غُلّبت العلاقة الشخصية على المهنية بين المديرة وموظفاتها، مضيفةً أنه يجب أن لا يتعطل العمل برحيل هذا المدير أو تلك المديرة، وأن تسير المهنية فوق كل شيء، وبها وحدها نسلك الطريق الصحيح، ذاكرةً أنه فيما يتعلق بالعلاقة الشخصية التي تؤثر في العمل نستطيع القول إنها تكون سلبية إن وجدت، كما أن دعم المدير القائم على العلاقة الشخصية سيؤثر على العمل، لأنه يفتح الباب لكي يكون الموظف غير منتج، وبها يعتقد الموظف أنه ينجي نفسه من المساءلة، متناسياً أن المدير قد يرحل في يوم الأيام، مبينةً أنه من خلال موقعها فهي تتبع سياسة العمل ضمن رؤية الفريق المهني الواحد الذي لا يتأثر بعلاقة شخصية معها أو مع أي مسؤولة أخرى، إذ إن المعيار لدينا مهني بحت، ولا نغلق العلاقة الشخصية على العمل، فيتحول الأمر للناحية السلبية. حالات سلبية وأوضحت "سعاد الصبحي" أن العمل يقسم على الجميع بالتعاون، وبعيداً عن العلاقة الشخصية بين الموظف والمسؤول عليه، مشددةً على أهمية العمل وفق مبدأ مهني معروف للجميع، وفي النهاية لا يتوقف العمل، وعن بعض المدراء الذين يعززون المسألة الشخصية على حساب العمل، ذكرت أنها لم تقف على عينات من هذا النوع، مضيفةً أنه في حال وُجد مدير في أي قطاع يعمل وفق تغليب المصلحة الشخصية على العمل، فإن ذلك العمل سيكون مليئاً بالسلبية، إذ إن الموظف سيترك العمل ومتطلباته، معتمداً في ذلك على قوته التي تعتمد على العلاقة المباشرة والشخصية مع المدير، كما سيعمل ذلك السلوك الخاطئ على صنع فوارق بين الموظفين أنفسهم، متفقة مع "العليو" قائلةً: إن كل سلوك خاطئ قد يجعل الموظفين ينتقمون إن رحل المدير الداعم لزميلهم، مبينةً أنه يجب القضاء على هذه الحالات السلبية عبر المزيد من الوعي والمهنية المطلوبة في بيئات العمل، لا أن يعزز المدير المسؤول سلوكيات خاطئة في النهاية تضر الموظف الذي قد يتركه منتقلاً إلى موقع آخر يخدم فيه. قيم العمل وليس بعيداً عن رؤية "أحمد" الذي تراجع عن تغليب العلاقة الشخصية مع المدير للانتفاع بها في مجال العمل يرى "مجتبى المزين" -موظف- أنه من المهم أن يركز المدير على خلق بيئة عمل تبعد عن العلاقة الشخصية، مشدداً على أهمية أن تنشأ علاقة شخصية بين المدير وطاقمه لمصلحة العمل، مضيفاً أن العلاقة الشخصية يجب أن تفهم في مجالها الإنساني البحت، وليس من الممكن أن تمتد لتؤثر سلباً على العمل، بل يجب أن تكون العلاقة الشخصية لصالح العمل، فهي تمس الموظف ليعمل نظراً لأخلاق المدير وحسن تعامله مع الجميع، مبيناً أن التركيز على قيم العمل مثل العدل بين الموظفين، وتعزيز الروابط بين المدير وبين الموظفين، وكذلك تعزيز الروابط بين الموظفين بعضهم البعض عن طريق بعض الأنشطة التي تجمعهم، إلى جانب تفعيل أسلوب إعطاء المسؤوليات للموظفين أثناء العمل كلها قيم تدفع في اتجاه نشوء علاقة مهنية لا يمكن للعلاقة الشخصية أن تؤثر سلباً فيها، ناصحاً ببناء وحدة قوية للعمل لا تتأثر بعلاقة شخصية بين المدير وموظفه، كما لا تتيح للموظف أن يصبح سيداً على زملائه بسبب العلاقة الشخصية بينه وبين المدير. مشكلة مستقبلية ورأى "المزين" أن منظومة المدير تنهار برحيله، ويتأثر لذلك من يغدق عليهم، بسبب أن الأسس المهنية في العلاقة العملية خاطئة، مضيفاً: "بكل أسف نجد بعض المدراء يحابون موظفا ويقربونه، وهذا السلوك الخاطئ يقود إلى عدم تهيئة قيادات بالمواصفات الكافية لتواصل المسيرة بنجاح العملية بعد أن يرحل المدير، كما أن المدراء الذين يفضلون العلاقة الشخصية على المهنية لا يستطيعون تهيئة موظفين قادرين على التعامل مع المدير الجديد الذي قد يكون مهنياً ولا يحب العلاقات الشخصية السلبية التي تكون عبئاً على العمل، وهو ما يسبب مشكلة مستقبلية حقيقة لبيئة العمل"، مبيناً أن المطلوب هنا يكمن في القضاء على العلاقات الشخصية التي تؤثر على العمل من الناحية العملية، والعلاقة الشخصية التي تكون خارج العمل، إذ من المهم أن يتوفر الجانب المهني المنتج في هذه المرحلة. وعن رحيل المدير قال: حين يرحل المدير عن العمل لأي سبب كان سيجعل من الذين اعتمدوا على علاقتهم الشخصية معه في مهب الريح، بل وليس لهم موقع مهني مناسب، إذ إنهم اختاروا طريقا خاطئاً أبعدهم عن اكتساب الخبرة، كما أنهم تعودوا من المدير الراحل على سياسات خاطئة يتم الصمت عنها، فيما المدير الحالي لا يريد هذا النمط من السلوك. موازنة نافعة وشدّد "عبدالله العمري" -مسؤول في بيت الشباب بالدمام- على أهمية أن تكون روح المدير شابة مع موظفيه، مضيفاً أن هذا لا يعني أن يغلب الجانب الشخصي على الجانب المهني، مبيناً أن المدير الناجح يستطيع الموازنة بين العلاقة الشخصية مع الموظف وإنتاج العمل، وذلك من خلال منح كل موظف صلاحيات كل فيما يخصه مع تدوير للمهام بين الحين والآخر، وهذا ما أعنيه بالروح الشابة في العمل، ذاكراً أنه إذا استخدم المدير تكليف موظف فقط، ومنحه كامل الصلاحيات، مع تحجيم دور الآخرين بناء على علاقة شخصية، فهذا يسبب للجهة التي ينتمي لها الموظف ضرراً بالغاً، وفي حال نقل المدير يكتشف هذا الموظف أنه ليس الشخص القدير بين المجموعة، بل ربما يتم الانتقام منه بعدم وجود أي "ظهر" له كما يقال في المثل الشعبي، مشيراً إلى أنه في حال استخدم المدير كامل الصلاحيات، ولم يمنح موظفيه إحساسا بالمسؤولية واعتمادهم عليه في كل الأمور، فهذا يعود سلباً على البيئة، وستنهار الإدارة في حال تقاعده، وعادةً هذا السلوك يكون عند المدراء المتشددين الذين لا يؤمنون بأي علاقة خارج نطاق العمل، وكأنهم آلة فقط، مشدداً على أهمية إعطاء الموظفين الإحساس بالمسؤولية القائمة على المهنية وليس العلاقة الشخصية. الموظف الناجح أكثر المتضررين من شلّة المدير «أرشيف الرياض» عبدالله العمري مجتبى المزين عبدالرزاق العليو