جميل أن نساعد الطلاب، وجميل أن نثق في التزامهم بحضور المحاضرات الجامعية، خصوصاً أنهم طلاب جامعيون على أبواب الانخراط في العمل، والعمل كما أعرفه يعني الالتزام والحضور في مواعيد ثابتة والمغادرة في مواعيد محددة، بحيث يتمكن الموظف من أداء مهامه الوظيفية على أكمل وجه ومن دون تقصير، ولكن بحسب الخبر الذي قرأته أخيراً عن قيام أكاديمي في إحدى جامعات الرياض بإهداء درجات المواظبة لطلابه كاملة بسبب (حمل زوجته للمرة الأولى) على رغم تلميح الأكاديمي بأنه سيلغي هذه الهدية الجميلة إذا ما شعر بأن الطلاب سيستغلون (هديته بشكل سلبي)! لا أعترض أبداً على مبدأ الهدايا كتوزيع أقلام أو حلويات أو تذاكر مباراة في الدرجة الأولى أو حتى تذاكر طيران أو فطور مميز أو خلافه (رغبة في إشراك الطلاب في سعادته وفرحه كونه سيصبح أباً للمرة الأولى، ولكني أعترض على مبدأ توزيع الدرجات بسبب شأن شخصي جداً، وسؤالي ماذا لو اتخذ الجميع هذا المبدأ، وأثرت مشاعرهم في نفسياتهم بالسلب بابتعاد الزوجة عن زوجها بخلع مثلاً، أو بخسارة أسهم أو بوفاة أحد المقربين؟ فهل بإمكان الأكاديمي خفض درجات المواظبة للطلاب لأنه مستاء أو حزين لسبب أو لآخر؟! رفضي (على رغم سعادة الطلاب)، ليس له سبب سوى أنني أطالب بأن نكون مهنيين، فلا نمنح ولا نمنع بسبب مناسبة، وليس صحيحاً أن أساوي بين طالب ملتزم بالحضور وطالب مستهتر بسبب شأن شخصي، وبسبب سعادتي أو حزني ماذا لو قامت الأكاديميات أيضاً بالسلوك ذاته، فمنحت طالباتها درجات إضافية بسبب خطوبتها ثم سحبتها بسبب (فسخ الخطوبة). ماذا لو قام رجل مرور مثلاً بالسلوك نفسه فلم يسجل المخالفات على السيارات لأنه سعيد اليوم، وبالعكس لو كان متضايقاً من أمر فهل نقبل منه أن يقول للمخالفين (روح الله يسهل عليكم ومرة أخرى وقف على جنب... أحسن لك)! عندما نطالب بالمهنية في كل شيء فنحن نطالب بإجراءات موحدة تطبق على الجميع، وليست لها علاقة بالمشاعر أو بالأحاسيس، بل لها علاقة بالعدالة والنظام الذي لا يفرق بين الحالات بسبب اللون أو الدين أو الجنسية أو المزاج العام للموظف. المرة الأولى لمثل هذه الحال كانت عند قيام مدير مدرسة بإهداء الطلاب الدرجات الكاملة للسلوك والمواظبة بسبب حدث وطني، وأتذكر أنني اعترضت أيضاً لأنه ساوى بين جميع الطلاب وقام بإهداء البعض درجات لا يستحقونها على رغم إيماني بأهمية الإهداء في الأحداث الوطنية على أن يكون فطوراً مميزاً أو هدايا عينية أو رحلة مدرسية أو حتى إلغاء قسط دراسي كامل لأنه بذلك علَّم طلابه سلوكاً خاطئاً بشكل عملي وساوى بين الطالب المهذب وغير المهذب بكل سهولة! [email protected]