تمرّ المؤسسات والمصالح بتطوير مستمر في عمرها قصر أو طال، لكن بعض التطوير يكون مفصلياً أو يكون تغييراً إلى الأفضل بصورة كبيرة، ما يجعله بمثابة تأسيس جديد. قرار الملك عبدالله التاريخي بتطوير نظام مجلس الشورى يذكرني بقرار مماثل اتخذه الملك فيصل رحمه الله بتعليم المرأة. وقد لاقى القرار تعنتاً مجتمعياً، ولكن القرار اتخذ مساره. وها نحن نحصد شيوع تعليم المرأة السعودية ووصولها لأعلى درجات السلم التعليمي وتاريخ مجلس الشورى السعودي الذي بلغ عمره الآن ستة وثمانين عاماً مر بتطويرات مستمرة. لكننا نستطيع أن نتبيّن ثلاث محطات رئيسة في تاريخه: المحطة الأولى بدأت عام 1927م في عهد الملك عبدالعزيز الذي أمر بتشكيل المجلس في مكةالمكرمة. وفي عام 1991م دشن الملك فهد رحمه الله المرحلة الثانية. وفي 11/ يناير 2013م أصدر الملك عبدالله أمراً ملكياً بتعديل نظام مجلس الشورى على أن يتكون من مائة وخمسين عضواً ويخصص ما نسبته 20% على الأقل من العضوية للمرأة السعودية، هذا التطور المفصلي دشن المرحلة الثالثة في تاريخ مجلس الشورى السعودي. وبهذا نستطيع القول إن المرحلة الثالثة تُعدّ في نظر كثير من المراقبين التأسيس الثالث. لم يشمل التعديل زيادة أعضاء المجلس في دورته السادسة. وهذا أمر متوقع كون العدد الحالي يتناغم إيجابياً مع عدد سكان المملكة. لكن الجديد في التعديل هو في تخصيص 20% من المقاعد للنساء. وهذا الصنيع يجعل المجلس يحتوي على كوتا برلمانية للنساء. وهو صنيع صانع وقائد جريء يدفع التحديث والتطوير في بلاده بقرار سياسي، والملك عبدالله يعرف أنه يحقق رغبة وإرادة شعبية من أجل التمثيل الإيجابي، ذلك أن الكوتا قد لا تكون مقبولة في الديمقراطية الحديثة، لكن ما العمل إذا كان المجتمع يتقدم ببطء نحو التحديث وإشراك المرأة في الحياة السياسية. كوتا المرأة السعودية في مجلس الشورى نسبة كبيرة لا تحلم بها النساء في كثير من البلاد. ففي مجلس النواب الأمريكي على سبيل المثال لا تتجاوز النسبة 18% وهي بلاد عريقة في قبول حقوق المرأة. وبهذا يكون الملك عبدالله قد دفع بنصف المجتمع إلى أعلى الرتب في السلم الوظيفي ذي الصبغة القيادية، ما سيؤدي بالتالي إلى حيازة المرأة السعودية على فرص وظيفية ومجتمعية أقل درجة من درجة الكوتا النسائية في مجلس الشورى. وهذا بدوره سيسهل قبول المجتمع السعودي المرأة في مناصب أخرى مثل وزيرة أو مسؤولة كبيرة في قطاع الأعمال والمال والشأن العام. قرار الملك عبدالله التاريخي بتطوير نظام مجلس الشورى يذكرني بقرار مماثل اتخذه الملك فيصل رحمه الله بتعليم المرأة. وقد لاقى القرار تعنتاً مجتمعياً، ولكن القرار اتخذ مساره. وها نحن نحصد شيوع تعليم المرأة السعودية ووصولها لأعلى درجات السلم التعليمي. ماذا يعني هذا الصنيع حيث تأتي القرارات المفصلية في تطوير المؤسسات التشريعية والتعليمية وغيرها من القمة، ولا تنشأ من القاعدة مثل ما هو سائد في بلاد الدنيا كلها؟ يعني هذا أن الدولة السعودية منذ القرن الثامن عشر الميلادي وحتى الآن وهي التي تقود عجلة التطوير والتحديث والإصلاح. وهذا غريب في المنطقة، ذلك أننا نرى دعاة إصلاح في منطقتنا العربية لم تجد دعواتهم قبولاً مجتمعياً. وسبب هذا في نظري أن المجتمع العربي، وليس السعودي فقط، يرتكن للماضي ويقبل ما اعتاده مردداً مقولة يائسة: ليس في الإمكان أبدع مما كان. أو مقولة لم يترك الأولون للآخرين شيئاً ذا بال. إلى غير ذلك من الأقوال الملتبسة. لو لم تقد القيادة السعودية بلدها ومجتمعها نحو الإصلاح والتحديث لوجدتنا نعيش في سرمد من الركون البارد، ولوجدتنا في آخر الصف مقارنة بدول إسلامية وغير إسلامية سبقتنا بالآماد مع أن قدراتهم الاقتصادية والعلمية لا توازي قدراتنا الحالية. وبالتالي فالمنصف لابد أن يرى بعين البصيرة لا البصر فقط أن قرار الملك الأخير المتعلق بتطوير أداء المجلس يصب في صالح المجتمع السعودي، ويفتح المجال واسعاً أمام تطوير آخر ليكون مجلس الشورى برلماناً حديثاً مثل البرلمانات الدولية. تطوير مجلس الشورى على يد الملك عبدالله يسير سيراً موزوناً، ويحقق تطوراً منظماً، لكنه تطوير مفصلي من حيث الفلسفة البرلمانية. وهذا ما جعلنا نعد الملك عبدالله المؤسس الثالث للعمل الشوري في المملكة. وعلينا أن نتفهم أن الملك عبدالله يحظى بقبول شعبي واسع في الداخل والخارج، وهو قبول أسس لشرعية كبيرة، وبالتالي استطاع أن يطرح مبادرات في الداخل والخارج. مبادرات الملك عبدالله تلقى ترحيباً واسعاً، وتلقى معارضة أيضا. لكن القبول أوسع وأقوى، ما يجعل قراراته ومبادراته تشق طريقها ويتقبلها الناس بنفوس راضية..