عُرف معالي وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز خوجة شاعراً أصيلاً ذا حضور متميز في مجال الأغنية السعودية، عبر جملة من التعاونات مع نجوم الأغنية في زمانها الذهبي، وما الأغنية الجديدة "لقاء الساعتين" إلا تأكيد لحضوره المتميز، حيث كانت كلماته الفخمة، واقترانها بصوت محمد عبده، ولحن د. عبدالرب إدريس، بمثابة المنقذ للساحة الغنائية في وقت تشابهت فيه الأغاني وهبط مستواها. الأغنية العظيمة "لقاء الساعة" لغة المعاني، واستنباط الأجراس الموسيقي بين ثنايا الحوار الدرامي في النص، إذا لم يكُن شعرياً واقعياً مغلفاً بالخيال فلا يندرج ضمن العمل المتكامل، وهو ما فعله الشاعر د. عبدالعزيز خوجة حينما حرك حنين عبدالرب أدريس للعودة إلى الماضي وبناء اللحن المختلف عما يسمع حالياً. د. عبدالرب إدريس هي إعادة العمل الفني المكتمل وتصحيح ما أفسده الآخرون، من هنا اتفق متذوقو الأغنية على نجاح "لقاء الساعتين" كعمل فني مكتمل لا يقدمه إلا الكبار. لم يكن إلا تفسير غريب، في مناجاة القلب "أيها الخافق مهلاً" في بداية سرّد القصة الدرامية في الأغنية، رغم أن الشاعر ابتدأ بها "كيف دار السَحر" كسِّرٍ غامض في نظرتين. ودائماً د. عبدالرب إدريس لا يفاجئ المستمتع بتغيير الأنغام التي تخصص كارتكاز على - مقام الكُرد - إلا أنه في هذا العمل كان نزولاً في "التون" لعدة أسباب منها قدرة فنان العرب الصحية، لكن السلطنة التي تعود عليها محمد عبده جعلت من هذا العمل فرصة حسية لتقديم الأغنية كما هي إعراباً. القلم والحسّ بالكلمات والقدرة تخرج سيرة الحروف تتدفق كسيل مكتمل في رواية قصصية غلفت بأنغام عذبة، الهدف منها لم يكن الإمتاع إنما إظهار مستوى عالياً من التوافق بين عناصر الأغنية. هي سيل من المشاعر والأحاسيس التي دارت في داخل العاشق الولهان باحثاً عن مخرج لنظرتين، وبات سريعاً لانكشاف مدى الشوق في ملامسة اليدين. العمل ابتدأ ب "أدليب" موسيقي تلاعب من الآت السحب وأنغام البيانو، توحي بأن ما تسمعه سيكون عملاً مختلفاً، هذه القيمة الفنية نفتقدها في السنوات الأخيرة في الأعمال الغنائية، تسلم الموسيقى بأنغام القيثار لربان العمل، في - تون - مختلف عن قوة محمد عبده الصوتية، للتمهيد بخروج الأغنية من الفالت إلى المذهب. محمد عبده أيها الخافق مهلاً مهلاً مهلاً.. لم يكن إلا زهاء الساعتين مقام - الكرد - وإيقاع - الروما - سمة للملحن الكبير عبدالرب إدريس، تعودنا مثل هذه الأنغام معه ومع عدة فنانين، لا يمكن أن تتشابه رغم تكرار المقام والإيقاع معه "كيف دار السحر فيها.. بيننا في نظرتين.. ثم ذاك الدفق أسرى بحنان لليدين". التلاعب على حروف المقام من - الري - يعطي راحة للمؤدي، لذا كان لزاماً على فنان العرب أن يقدم شيئاً مختلفاً، كما هي في - ثم شيء هو أخفى - ثم صعوداً نغمياً - من خفي قال للقلب سلاماً. عبدالرب إدريس في قراءته قصيدة - لقاء الساعتين - هيمنةٌ على الأنغام التي لا تتكرر "يا ترى هل ذلك الأمر نسميه غراماً؟، قبل أن يقفل المذهب "لم يكن إلا زهاء الساعتين". في نفس الخطوات محمد عبده وعبدالرب إدريس يمارسان هواية الإبداع عبر كلمات خوجه، والتي يعتبرها الغالب تصحيح لمسار الأغنية بعد خلوها من زمن "الفصحى"، هنا الكوبيله - نسهر الليل عليه ننسج الوهم ضراما.. نرسل الشوق دموعاً وسطوراً وكلاما - متواصلاً إلى - نشتكي للسهد أنا قد غدونا عاشقين - التي استخدمها مرجعة مع تغيير النغم والوصول إلى النهاوند رغم احتضانه للكرد - مع أن الأمر قد كان - مع ختَّم الكوبيله. زهاء الساعتين لم يكن إلا.. لقاء الساعتين. السؤال هنا - أنتِ من أنتِ - هو السؤال المتاح بين الخيال والواقع في لحظات الحُب والعشق المُحال؟! لم يكن غريباً عن المذهب الذي بلور الإحساس بمجموعة أنغام توالت وكونت تواصلاً أدبياً حسياً بين الشاعر خوجه لتصل إلى مسامعنا. ببساطة التحول إلى مقام البيات في هذه الجملة، هو الملعب الخاص لفنان العرب إذا توافق مع إيقاع البلدي - أنتِ من أنتِ على الدرب سؤال في سؤال.. جئتني أسطورة من قصص الحب المحال، ثم قلنا إنه الحب وصدقنا الخيال". هنا مناجاة للقلب وعودة إلى نفس المذهب "أيها الخافق مهلاً.. لم يكن إلا لقاء الساعتين".. لتبلغ الحالة ذروتها ويصل الشاعر إلى قمة تألقه في اللغة والوصف.. وهي الحالة التي كان عليها فنان العرب بصوته الذي عكس حالة الوجد والذي كان في مستوى اللحن الفخم الذي أبدعه الملحن القدير د. عبدالرب إدريس. "لقاء الساعتين" هي الأغنية التي أعادت الأمل في الأغنية السعودية، وأحيت الذائقة الفنية، وكشف عن تعطش الجمهور لمثل هذه الأعمال الطربية الآتية من العصر الجميل للأغنية.