القواعد لا تتغير، تعرف ذلك، ولا تطالب بإلغاء مادة الثبات، التي يستطيع أغلب العقلاء التعامل معها، واعتبارها من المسلّمات، لكن هل على بعض القواعد تجريد الآخر من حقوقه، واحتكار ما لديه ومصادرة كل ما يتعلق به من منطلق أن من يؤمن بالقواعد عليه أن يخضع لتراتيبيّتها؟ سائر الأبواب التي تعرفها قاعدتها الأولى كانت مفتوحة على الدوام، ولم تجدها ذات يوم مغلقة.. لكن فجأة ودون سابق إنذار أُقفلت تماماً، لم تبدأ بالغلق التدريجي، أو حتى الدخول في لعبة المواربة، أو الفتح ومن ثم الاغلاق لكن أغلقت تماماً دون ان تستطلع رأي من اعتادوا الدخول والخروج منها، وكونها المنفذ الوحيد لهم، وأن اغلاقها هكذا فجأة لن يسمح لهم بإيجاد البديل قبل زمن، وكان من المفترض الإنذار المبكر، أو رسم بعض الملامح التي تعطي فكرة أن هذه الأبواب قد تغلق ذات يوم. القاعدة الأزلية كانت سيادة قانون أن لا شيء مغلقاً، وفجأة أصبح كل شيء مغلقاً تماماً. لم يفكر ذلك الطرف الذي كسر كل القواعد، واعتدى على كل الأعراف أن يقترح استفتاء على مادة الإغلاق ليبدأ به مرحلة كسر القاعدة، ارتأى ان ينفذ بحكم عاجل، وإقصائي متجاوزاً ما كان يتحدث عنه. أغلق الباب تماماً دون سابق إنذار.. توقف من أغلقت الأبواب في وجهه باحثاً عن السبب.. مفتشاً داخل قاموس من المفردات عن مسمى ما يجري.. عن المعنى الحقيقي داخله.. تصالح مع نفسه بهدوء مغلّباً روح القانون الإنساني التي اعتادها، والتي تمنعه الاندفاع بجنون نحو من قرر أن يصوغ قاعدة جديدة مناوشة لكل القواعد الأصلية.. تحكي لي إحدى النساء عن تلك اللحظة القاتمة في حياتها، والتي أصبحت قاعدة جديدة عليها ان تتعايش معها لأسباب عديدة، ومبررات وقواعد هي اخترعتها له وليس هي في الأصل قواعدها. تقول إن صورته أمام أسرته، رائعة، وأمام أبنائه المراهقين أكثر روعة أما أمامي فهو الرجل الناجح في عمله، المتفوق، المتفاني لأسرته المساعد للغير، المحب لي، الرومانسي، الرقيق، الباحث عن السعادة لي أولاً وليس له، وعودنا السرية، أكثر من وعودنا العلنية، حياتنا الآمنة، بقواعدها التي لا تتغير والمتصالحة مع كل ما هو جميل، وإنساني، ويفتح أبواب الاحترام للآخر، ظلت كما هي .. عشرون عاماً، أحاول بجهد وبإخلاص أن أكون بجانبه، لا خلفه كما عودني، حياتنا مشهد متحرك مشرق، ومضيء للغير، الحب له، أو منه، أو معه، نعيشه وكأننا نتبادل الحياة المترفة كل لحظة.. فجأة ودون سابق إنذار ودون استعداد انكسرت القاعدة تماماً، غاب الهدوء فجأة وباستطلاع بسيط وجريء وغير محضّر له، وأنا أبحث عن رقم أحد أصدقاء ابني في جواله، اكتشفت تلك العلاقة الخاصة له مع امرأة أعرفها تماماً متزوجة أيضاً، صورها، رسائل الغرام بينهما والمتبادلة طوال النهار في عمله، في المنزل، أثناء الطعام، قبل أن ينام، بمعنى أنها كانت معنا منذ زمن، دخلت من كل الأبواب .. اقتحمت كل اللحظات .. لحظتها وبهدوء يذيب الثلج، واشتعال النيران في داخلي، حاول ان استقرئ أسباب ما جرى، اعتذر بهدوء وقال إنها هي من طاردته وركضت خلفه، كسر القاعدة، طلب مني أن نصوغ قواعد جديدة أخرى، أبرز بنودها: أن لا يعرف أحدٌ حتى لا تتبدل صورته، وتبدأ مرحلة جديدة من المعاملة معه، أن لا أتعرض لتلك المرأة أبداً، لكن هل سيعود هو كما كان؟ هل ما تم اجتيازاً محدوداً؟ هل قاعدتي معه الآمنة ثمة ما يستحيل عودتها إلى ما كانت عليه؟