قبل عدة أيام شاهدت صورة صديق لم اشاهده منذ أيام الدراسة في المرحلة المتوسطة سوى عدة مرات. شاهدته في إحدى مواقع التواصل الاجتماعي فذكرني بقصة حدثت له يحسن أن اقصها عليكم. أحببت هذه القصة وقلتها بعدة طرق ومازالت تنتج شيئاً احب ان يسمعها الآخرون.. احد عيال حارتنا ويدعى مساعد اختفى من حياتي ونسيت امره ليظهر لي مؤخرا بصورة شاب وسيم. من الواضح أن الفوتو شوب لعب دورا عظيماً في تشكيل الصورة. حقيقة الأمر لم يكن في حياته كلها يأخذ اي نسبة من كلمة حلو أو وسيم أو مليح ولم يصل في معية صباه حتى إلى درجة لا بأس به. لكني أحييه على مثابرته في البحث عن الجمال. كنا طلبة في المتوسطة، في السنة الثالثة على وجه التحديد. في الفسحة وفي الطلعة وفي درس الرياضة ودرس الرسم نتبادل الأسرار والأكاذيب أيضاً. كل النساء في حياتنا طالبات مدرسة ابتدائية نتقاطع معهن عند الخروج من المدرسة. نتبادل الهمسات والتنهدات والعبارات الخفيفة وينتهي كل شيء. كان مساعد اكثرنا حساسية واقلنا حظاً حتى جاء ذلك اليوم الذي استطاع ان يصعق المدرسة ويقلب عاليها سافلها. وصل الأمر للمدير وكاد يصل إلى إدارة التعليم. تحول من قليل حظ إلى نجم النساء العالمي. جمعنا في احدى الفسحات وهمس في آذاننا وحلفنا أن نحفظ السر. سل من جيبة صورة كبيرة تضم فتاة شقراء في غاية الجمال منثورة الشعر يعلو فمها ابتسامة مشرقة. يقف مساعد إلى جانبها مفرجاً عن ابتسامة عريضة لم نشاهدها على وجه نعرفه من قبل. بعد ان دارت الصورة بيننا للتأكد أنها فعلا صورته أعادها إلى جيبه. من يستطيع أن يحفظ سرا عظيما كهذا. مع نهاية الحصة الثالثة وفي الفسحة الطويلة شاهدنا مدير المدرسة يدور في الحوش ثم حط علينا وطلب من مساعد اخراج الصورة. حاول مساعد التلكؤ ولكن حزم المدير جعله يضع يده في جيبه ويخرجها. اخذها المدير وتابع سيره وهو يتأملها. اثناء صعوده الدرج سقط في ثاني درجة. لا نعرف هل سقط بسبب سقوط الاخلاق الحميدة في المدرسة أم اسقطته الابتسامة الشقراء المشرقة أو الحسد الذي اكل قلبه من الإنجاز العالمي الذي حققه مساعد او انه زلق في لعابه الذي سال. بعد دقيقتين او ثلاث جاء الفراش يطلب مساعد وبعد ساعة عرفنا ان محكمة مكونة من مدرس الفقه والمراقب والمشرف الاجتماعي برئاسة المدير عقدت أولى جلساته على عجل لتدارس الأمر. اصبح المطلوب من مساعد ان يدلهم اين التقى بالشقراء وكيف سمحت لنفسها التصوير معه. ابدى مساعد صلابة حديدية. لا يمكن أن يدل احداً على حبيبة القلب مها كانت النتائج حتى لأعز اصدقائه. ألم يخونوه ويفشون السر من بدايته. وقع المدير في مأزق كبير. لا يريد أن يصعد الامر لإدارة التعليم أو ان يمنعه من الدراسة او يستخدم العنف المعهود خشية أن تصبح الشقراء خارج نطاق صلاحيته فيحرمه الله من مشاهدة ابتسامتها حية على الهواء. حسب وقائع المحاكمة كان اهم سؤال هو اين هذه الفتاة. كان أعضاء المحكمة حسب رواية مساعد في كل مرة تذكر كلمة شقراء( يبلعون ريقهم )، ومساعد يردد دون تردد انها قريبة لي. فكان مدرس الفقه يقول بمرارة تكاد تمزق قلبه: معقول يا مساعد فيه شقراء تقرب لك ما تخاف الله من هذا البهتان؟ (البقية بعد غد)