أشرنا في الجزء الأول من هذه المقالة إلى العلاقة الوثيقة التي تربط ابن جدلان مع الإبل التي تصل إلى درجة الهيام مما جعله يتألق في تصويرها ويبدع في وصفها إذا يقول في إحدى قصائده في ناقته (الطويلة): ما لحب (الطويلة) في ضميري حدود تحشم الوضح وتقدّرعلى شانها لاقبلت بالسبال الضافية والخدود والرقبة السنود وطول لحيانها لو تكلم لها دونك ثلاثين ذود حطّت البوش كله بين ذرعانها آنفة كلما كبرت طغاها يزود ولا يزوّد غلاها إلا طيشانها وله واصفاً ناقته (العفيشة): وضحاً شناح عواتقها عواتق مهاة كن الأذاني نواعير على جال بير سبلا تشدّ الذهون وتلفت الانتباه يشفق لها كل من ربّى بنات البعير ومن وصف آخر لناقته العزيزة عليه (الطويلة): والسنام المنفهق والعاتق المنتلّي وغاربٍ كنّه يبي يطلع سنامٍ ثاني ويقول في ناقته (الجليلة) التي يرفض بيعها بحجة لم يحتج بها أحد قبله صوّرها بقوله: لكن أنا أولى بالوجيه المسافير أشوف لي في وجهها وصفة علاج ويقول في تشبيهٍ لا يعرف قيمته ودقته إلا عشاق الإبل: كل وضحى زاهي سيف خدتها طويل يشبه الجسر المعلق على وادي لبن ويقارن ابن جدلان حجم سعادته في وسط إبله بالتقاطة لم يلتقطها غيره: كن وسعة خاطري يوم أراعيها خالد الفيصل بتنشيط مفتاحة فابن جدلان يعايش الإبل معايشة العاشق الولهان الذي يتأمل معشوقته بكرة وعشيا لتصبح هي عنوانه الدائم حيث يقول: ياللي تقولون ابن جدلان وينه اخذو دليله واضحه للمناعير عانوه نازل في ظهرة الجنينة بين النخل والعايدي والمغاتير ويصور علاقته بثلاث من نياقه المفضلات: يا كن وصف رقابهن من ورا القرّاع هريب السحاب اللي تواليه ممّاحة لامنها عطتك وجيه والنحور وساع وقام القمر يلعب بنحورهن الداحة تقول إني اسولف مع عنّس فزّاع هذي حبّها غامض وهذيك مزّاحة بل هو يشير إلى استبداله حب العذارى بحب الوضح إذ يقول: حب العذارى أقفى عسى هفة مقيط ما صبت من حب العذارى منافيع الحب حب الوضح كب الخراميط لا قابلت مثل النصوب المصاليع وأخيراً إليكم فيلم وثائقي يصور عمق علاقة صاحب الإبل الحقيقي بإبله التي ربما تفوق في صدقها علاقاته مع البشر : لا منه نطحها عصر و إلا هجد مهجاد ليا شافته قامت ترازم ترحب له هذي تنطحه تبغى تقبّله جد عماد وهذي تنهب شماغه و هذيك تلعب له و الله ما يهنّي من حكم عاصمة بغداد اللي له مزامير الفخر تضرب الطبلة وللناقة في سائر شعر ابن جدلان الذي لا يستهدف وصف الإبل حضور جميل يؤكد أن يراها وما يتعلق بها رمزاً خالداً للأفضل من كل شيء إذا يقول متغزلاً: وسوالفه عقب فرقا الشمل والغيبة ألّذ من سكرٍ في درّ حنزابي