وبنت الردي يأتي ولدها كما الهيب غبنٍ لبوه وفاشله في الجماعه العرب من أكثر الأمم اعتزازاً بالنسل وافتخاراً بكثرتهم ونجابتهم.. ولكن لنا ملاحظتين على هذا الاعتزاز العربي: الأولى: أن كثيراً من العرب - في القديم والحديث - يهتمون بالكم على حساب الكيف، فرغم تأكيد حكمائهم وشعرائهم على أهمية التربية الجيدة والقدوة الحسنة من الآباء والامهات، إلاّ ان كثيراً من العرب - قديماً وحديثاً - يصدرون الأوامر للأولاد بالصلاح والجد والاجتهاد مع ان كثيراً منهم مع الأسف يعمل العكس والأفعال أبلغ من الأقوال. والثانية: ان أكثر العرب يولون جل اهتمامهم للذكور ويهملون البنات، وتاريخ البنات العربيات حزين، فمجرد ولادة البنت يفجع كثير من الآباء، بل ان بعضهم إذا بشر ببنت يسوّد وجهه، وقد ذكر الله جل وعز ذلك عن عرب الجاهلية فقال في محكم التنزيل: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) «58،59 النحل». بل إن بعض عرب الجاهلية كانوا يئدون البنت يقبرونها وهي حية والعياذ بالله.. ولا تزال بقايا الجاهلية في عقول بعض العرب ممن يكرهون انجاب البنات كره العمى، ويفضلون اخوانهن عليهن في المعاملة والعطاء، وهذا نقص في العقل والعدل والتربية، وضرر على المجتمع كبير، فإن البنات هن أمهات المستقبل، فإذا قهرها الأب وفضل أخاها عليها أصابتها العقد النفسية، وكراهية الرجال فلم تعد زوجة صالحة، ولا أماً فالحة، ويندر ان تنجح في تربية أولادها مستقبلاً؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه. ومع حرص العرب على تربية الولد، خاصة الذكر، إلاّ ان بعض العرب يربي أبناءه على القسوة، ويغرس فيهم حب السطو على حقوق الآخرين (كن ذئباً) هكذا يقول بعض الآباء لأبنائهم، ومعروف أن الذئب مشهور بأكل حقوق الآخرين. ومع هذا كله فإن لتربية العرب القديمة مزايا جيدة، فهم يربون أبناءهم على الشجاعة والكرم واحترام الكبار، وهي خصال نبيلة في كل زمان ومكان، غير ان اهمال البنات، وعدم تعليمهن في العصور القديمة، جعلا المرأة تشعر بالنقص والاضطهاد، وتتسم بالضعف والهوان، فتنقل هذه الصفات الرديئة لأولادها ذكوراً واناثاً، من دون قصد سيئ، ولكن هذا ما لديها، فكل إناء بما فيه ينضح.. كذلك فإن عدم احترام الزوجة، وكثرة الخصام والشقاق على مرآى من الأولاد، يصيبهم بالكآبة والاحباط، كما ان الأوامر المتناقضة من الوالدين قد تصيبهم بالأمراض النفسية ومنها (الفصام). ان تهميش المرأة وتحطيمها تنقله إلى أولادها من دون شعور، فيصيبهم بالخوف والاعتقاد بالخرافة والدجل تبعاً لاعتقاد الأم، إذا كانت جاهلة، كما يحطم شخصياتهم ويحد من ذكائهم الفطري، ويغرس فيهم التردد والشك وتصديق الخرافات والدجل، فما يدخل مع حليب الأم لا يخرج إلاّ مع طلوع الروح. وعلماء التربية والنفس يرون ان أهم مراحل بناء الشخصية هي السنوات الست الأولى من عمر الطفل، حيث ترسخ التربية - حسنة كانت أم سيئة - في ذهنه وعقله اللاواعي، فالسنوات الأولى من عمر الطفل تشبه صب القواعد والأعمدة في المبنى، هي الأساس، والباقي مجرد جدران وديكور، وكلها لا تقوم من دون قواعد صلبة وأعمدة مسلحة وأساس متين. ولكنّ للأب دورا كبيرا في تربية الأبناء وتقويمهم، فالابن يتخذ أباه قدوة ومثلاً أعلى، خاصة وهو صغير، فتعويده على الجد والعزم والشجاعة والطموح والكرم وحب الخير والكفاح والنجاح مع وجود تلك الصفات في الأب تجعل الولد نجيباً محباً لمعالي الأمور بعيداً عن السفاسف. قال الشاعر العربي: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه أما دور المرأة (الأم خاصة) فهو أساسي.. قال الشاعر العربي (وأظنه جميل الزهاوي): ليس يرقى الأبناء في أمة ما لم تكن قد ترقت الأمهات ولحافظ إبراهيم أبياته المشهورة: الأم أستاذ الأساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم روض إن تعهده الحيا بالري أورق أيما إيراق ونلاحظ في العصر الحديث انشغال كثير من الآباء والأمهات عن تربية الأولاد والاهتمام بهم بسبب العمل والجهل بوخيم العواقب.. حتى لربما ترك الأمر للخادمات! قال أحمد شوقي: ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا فأصاب بالدنيا الحكيمة منهما وبحسن تربية الزمان بديلاً إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولاً كما ان الأب مسؤول عن نجابة أبنائه باختياره زوجة صالحة، قال ابن الأعرابي: وأول خبث الماء خبث ترابه وأول خبث القوم خبث المناكح وفي الأثر (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس).. والتربية الحسنة في الصغر كالنقش في الحجر، قال صالح ابن عبدالقدوس: وان من أدبته في الصبا كالعود يسقى الماء في غرسه حتى تراه مورقاً نضراً بعد الذي أبصرت من يبسه فإلقاء اللوم على اللوم هرب من المسؤولية، واهمال البنات من الرعاية والتعليم العالي والتربية الحسنة كارثة على المجتمع. وأحمد شوقي أبعد نظراً وأصدق فكراً حين قال: وإذا النساء نشأن في أمية رضع الرجال جهالة وخمولا فالأمية تلد الجهل والظلام، وما لم تكن المرأة الأمية عاقلاً بالفطرة، ونشأت نشأة حسنة، فإنها تقع ضحية للخرافة والدجل، وقد تذهب للسحرة والدجالين، وتربي أولادها على ذلك، وتزرع فيهم الخوف والخمول، وترضعهم مع حليبها وكلماتها الأولى، ما يثبط عزائمهم ويصيبهم بالهيبة التي تجر الخيبة. ويقول شالح بن هدلان: أبا انذر اللي من ربوعي يبا الطيب لا يأخذ إلاّ من بيوت الشجاعه يجي ولدها مذرب كما الذيب عز لبوه وكل ما قال طاعه وبنت الردي يأتي ولدها كما الهيب غبن لبوه وفاشله في الجماعه وللشاعر مبارك بن مويم: وأوصيك لا تدنق مدانق مذلة عليك العيون المرقبات نظور وبالك تخاوي غير صم صيدع على صك غارات الزمان صبور وحيذور تاخذ بنت قن مهرج يجيك من عش الخبيث نسور فلا ثعل جاب اقطم صيده المها ولا قني من عش الحمام صقور ولابن سبيل: خطو الولد توه على شبة له وجميع هو مات المراجل براسه يقوم بالمعروف دقه وجله والله مهي له على قو باسه وخطو الولد رجم على غير حله لو جاز لك مبناه برق بساسه خضرة (عَشَرْ) ما هو على شوفة له يزوم روحه واحسايف لباسه! «شالح بن هدلان»