يعرض حاليا في السينما الأمريكية فيلم جديد عن حياة الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن، أحد أهم الشخصيات السياسية في التاريخ الأمريكي، لنكولن خاض الحرب الأهلية ضد الجنوبيين وانتصر فيها لحفظ الاتحاد، وحرر العبيد آنذاك. وقد كتب عن حياته ما يزيد عن 16 ألف كتاب ! يقوم بدور إبراهم لنكولن الممثل دانيال دي لويس، بطل الفيلم الرائع "عصابات نيويورك" و "ستكون هناك دماء". لا أظن دوره في فيلم لنكولن سيرسخ طويلا في الذاكرة، رغم أن أداء لويس للدور كان مميزا، والسبب في ذلك أن شخصية لنكولن المرسومة من خلال الفيلم مملة، رغم محاولة تصوير لنكولن كشخص غريب الأطوار كما يقال، إلا أنه لم يكن اختلاف أو غرابة أطوار مميزة، بقدر ما هو هدوء وسكون ممل خلال حوارات مطولة حول تعديل الدستور الأمريكي لإنهاء العبودية. ما يجعل الفيلم مملا، بالإضافة إلى طوله إلى حد ما، هو اقتصاره على حدث سياسي محدد، وهو التصويت في الكونجرس على تعديل الدستور لتحرير العبيد، مع الإشارة إلى الحرب الأهلية. محور الفيلم هي تلك الحوارات بين الرئيس ومعاونيه ومناوئيه حول تعديل الدستور خلال الأربعة أشهر الأخيرة من الفترة الرئاسية الثانية للرئيس لنكولن حتى اغتياله. الفيلم يركز على الطريقة التي تم بها إقناع الجمهوريين والديمقراطيين من أجل دعم التعديل، وكيف تم التعاطي مع الرافضين، وحججهم في رفض إنهاء العبودية، وحجج الداعمين للقانون، خاصة أن التصويت لم يكن تصويتا تقليديا يحتاج لأغلبية بسيطة ليمرر بالكونجرس، بل تعديل للدستور بحاجة لأصوات ثلثي أعضاء الكونجرس، والذي كان الكثير من أعضائه ضد مساواة السود بالبيض وتحريرهم، حتى أن أحد أعضاء الكونجرس صرح بقوله "تحريرهم لا يعني بأنهم مساوون لنا" ومن هنا استمرت معاناة السود حتى بعد تحريرهم إلى أن أعطتهم "حركة الحقوق المدنية" التي قادها مارتن لوثر كنج بالستينيات كامل حقوقهم المدنية، حتى انتخب أوباما المنتمي لأقلية السوداء رئيسا للولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين. الفيلم يرسل رسالة سياسية معاصرة إلى الأمريكيين أكثر من أي شيء آخر، يريد التأكيد على إمكانية توحد الأمريكيين في وجه مشاكلهم الحالية، وكأنه يقول إن الساسة توحدوا في الماضي رغم الحرب الأهلية وإشكالية اللحظة التاريخية، وخرجوا بقرارات تاريخية كتحرير العبيد، وتم حفظ الإتحاد بقوة الحديد والنار، فلماذا لا يتوحد الجمهوريون والديمقراطيون اليوم والمصاعب أقل مما كانت عليه في الماضي والتحديات أقل؟!.