أثار خبر تجدّد دعوة موسكو للحوار والأحاديث الروسية الأخيرة عن الحالة السورية الكثير من الشكوك حول مصير الأسد ونظامه. حثت موسكو مؤخراً دمشق على تنفيذ دعواتها السابقة للحوار مع المعارضة، كما دعت الائتلاف الوطني السوري المعارض للمشاركة في مفاوضات بهدف تسوية النزاع السوري. إلا أن رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب رفض الدعوة، وقال إن روسيا يجب أن تعتذر للشعب السوري عن تدخلها في الشؤون الداخلية لسورية. التقارير تتحدث عن خروج الأسد من دمشق ولجوئه إلى مناطق علوية في الساحل ما يجعل التأزيم الطائفي للثورة السورية يتنامى. الأممالمتحدة وصفت الذي يجري في سورية بأن له صبغة طائفية، والنظام السوري يزداد ضعفاً وخوراً وإفلاساً. جهاد مقدسي الناطق باسم الخارجية السورية وضعه غامض، فبعض التحليلات تتهم حزب الله باختطافه من بيروت وتسليمه للنظام السوري ما يجعل مصيره في غايةٍ من الغموض والبعض الآخر يتحدث عن خروجه إلى دولةٍ غير متوقعة فلا هي بريطانيا التي عمل فيها مقدسي من قبل ولا هي أميركا بدليل أن تأشيراته للدخول منتهية. روسيا بدأت تستخدم منطق «لدينا قلق على سورية ما بعد الأسد لا على الأسد»! هذا المنطق تنامى مع حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لقناة «روسيا اليوم» والذي قال:» استخدام الأسلحة الكيماوية سيكون بمثابة «انتحار سياسي» لنظام الرئيس السوري، لا أعتقد أن سورية ستستخدم أسلحة كيماوية وفي حال حصل ذلك، فسوف يكون ذلك بمثابة انتحار سياسي للحكومة، الجميع متفقون ومنهم شركاؤنا الغربيون والأوروبيون على أن التهديد المباشر يتأتى من إمكانية سيطرة الثوار على المواد الكيميائية، تحت أي ظرفٍ من الظروف لن تتدخل روسيا لنقل اقتراحات من أي نوع إلى الأسد لأن هذا الأمر متروك للسوريين أنفسهم هم من يجب أن يقرروا ذلك»! هذه العبارات من لافروف جعلت البعض يصفه ب»الحمامة» بعد أن كان «صقراً» في الدفاع عن النظام السوري وتبرير جرائمه ومنع أي قرارٍ من مجلس الأمن بالتعاون مع الصين. روسيا الآن تعرف أن مصير سورية هي سبب فيه وإلا لو سارت مع الضمير الشعبي تجاه المجتمع السوري والثائرين لما وصلت سورية إلى الحالة التي وصلت إليها، غير أن روسيا دولة تجارة ودولة مافيا وليست دولة سياسية بالضرورة. كتب مدير مركز الإصلاح الأوروبي «تشارلز غرانت» في صحيفة «نيويورك تايمز» مقالاً بعنوان:»روسيا والصين وعراقيل التقدم» قال فيها إن: «العائق الأساسي في طريق الإصلاح في الدولتين هو الجماعات القوية التي تعمل لمصلحتها الشخصية. تحيط الكثير من العائلات في روسيا وكذلك رجال أعمال بفلاديمير بوتين ويسيطرون على الشركات الكبرى التي تتحكم في الموارد الطبيعية والمؤسسات الأمنية، ولا يريدون إعادة الاتزان إلى البلاد، فهذا يهدد ثرواتهم ونفوذهم. وبالمثل في الصين، ترتبط الكثير من الفصائل في الحزب الشيوعي، ومشاريع الدولة الكبرى والمؤسسة الأمنية بالريع الاقتصادي والامتيازات التي يضمنها النظام الحالي، إن المصدر الرئيسي لشرعية النظامين في روسيا والصين هو النمو الاقتصادي الذي يساعد على تحسين مستوى المعيشة. وفي ظل تباطؤ النمو، والمرشح للمزيد من التباطؤ في حال استمرار رفض استعادة الاتزان، سيحتاج النظامان وسائل جديدة لإضفاء الشرعية على حكمهما»! هذه المقالة بليغة ودالة على مستويات التحدي في روسيا والصين، والنتيجة أن روسيا تريد إرضاء العائلات التاجرة في البلد ولهذا لم تستطع أن تكون ذات سياسة أخلاقية ولم تجد إلا النفعية المحضة وسيلةً للتدخل في سورية.. حمت روسيا النظام السوري إلى أبعد الحدود وسيأتي اليوم الذي تشعر فيه بأن النظام السوري قد تآكل وربما يكون تغير الخطاب الروسي.. وانتهاء النبرة الاستعلائية في السياسة أحد علامات الانهيار الذي يجري للأسد. روسيا تريد أن تبقي على الأسد بأي ثمن، لكنها هي من قال إن وضع نظامه في حالةٍ صعبة وهي التي تتحدث عن آلامٍ يعاني منها النظام، ولا ننسى تصريحات فاروق الشرع الذي قال إن النظام يصعب عليه حسم المعركة ... الأكيد أن فجر سورية سيأتي وهذا ما يعزينا وسط الأخبار المؤلمة والصادمة..