بدأت بعض الأسر الابتعاد عن محيطها العائلي القريب، وتقليص الزيارات والتواصل فيما بينها؛ نتيجة تكاليف الالتزام بالحضور أمامهم بمظهر متجدد، أو مبالغ مالية، أو حالة "الروتين" التي تكون عليها معظم تلك اللقاءات، إلى جانب أن وسائل التقنية سهّلت من التقارب ونقل الأخبار الفورية، وهو ما قلّل من التواصل بينهم. د. عبدالله السدحان أسباب كثيرة وقالت "رحاب الجريس" إن المجتمع الآن متقلص على أسرته فقط، ولا يحاول الخروج من دائرة "الأسرة الصغيرة"، إلاّ في مناسبات محدودة جداً، مرجعة ذلك إلى وسائل التقنية التي جعلت أفراد الأسرة منكبين عليها، وتحديداً مواقع التواصل الاجتماعي التي أخذت وقت الكثيرين. وأضافت "ليلى الدخيل" أن كثيراً من الأشخاص يبحثون عن الترفيه بعيداً عن "الرسميات" التي هي أهم أسباب التهرب من الالتزامات العائلية، خاصة بعد أيام متواصلة من الدراسة والعمل، وهو ما يتطلب أن يكون التسليه و"البساطة" عنواناً لمثل تلك اللقاءات، مؤكدة على أن العلاقات الأسرية أصبحت شبه جامدة، إلاّ بوجود الأم والأب اللذان يجبران الشخص نفسه وأفراد أسرته على زيارتهم بشكل مستمر. وأكد "عبدالكريم النشمي" على أن تقليص الزيارات بين أفراد العائلة تحول إلى ظاهرة، والغريب أنك تجد بعض من أعتذر عن الحضور يلتقون في أسواق أو أماكن ترفيه، أو ربما مطاعم؛ بعيداً عن الحضور الرسمي في منزل أو استراحه؛ لأن من اعتذر كسر الروتين المجبر على لقاء أسرته كل اسبوع. وقال:"في السابق تجتمع الأسر لتتبادل الأخبار فيما بينها، أما اليوم أصبحت وسائل التقنية الحديثة تنقل لهم ذلك بالصوت والصورة؛ فلم يعد أحد يهتم بزياره أبناء عمه أو خاله؛ لأنه يتواصل معهم يومياً بالجوال أو مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي هو يشعر أنه قريب منهم". نتائج التباعد الأسري وأوضح "د.عبدالله بن ناصر السدحان" - الوكيل المساعد للضمان الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية - على أن الأثر المعماري والتخطيطي للمدينة يؤثر في سكانها أكبر مما نتصور، مشيراً إلى أن من الآثار الاجتماعية التي برزت على سطح المجتمع في المدينة السعودية ضعف العلاقات البينية بين أفراد الأسرة أوبين أفراد المجتمع عموماً، وذلك نتيجة لتباعد أطراف المدينة إثر توسعها وكثافتها السكانية؛ فضلاً عن الانشغال الكبير من قبل سكانها بهمومه الخاصة. وقال:"إن عدوى ضعف العلاقة واللقاء بين الأسر انتقل إلى الأسرة الواحدة المكونة من الوالدين والأبناء"، مستشهداً بكثير من البحوث الاجتماعية العربية التي تشير إلى أن التفاعلات داخل الأسرة العربية طرأ عليها مجموعة من المتغيرات؛ من أبرزها: تناقص الوقت اليومي الذي يقضيه أعضاء الأسرة معاً، ويرجع ذلك إلى خروج نسب كبيرة من النساء للعمل خارج المنزل والمشاركة في أنشطة اقتصادية واجتماعية متعددة، وانشغال نسب متزايدة من الذكور، خاصة أصحاب الأعمال والمشروعات ومن يعملون أعمالاً إضافية؛ لتحقيق مزيداً من الدخل لمواجهة صعوبة العيش في المدينة ومتطلباتها، أو الذين يزاولون أنشطة اقتصادية واجتماعية بعيداً عن الأسرة، ويصاحب ذلك تزايد نسب الأبناء المنخرطين في مراحل التعليم المختلفة؛ بما يعنيه ذلك من قضاء نحو ساعات كثيرة في مؤسسات التعليم بعيداً عن الأسرة، بالإضافة إلى انشغالهم بواجباتهم المدرسية التي تعزلهم عن أسرهم وقتاً كبيراً حتى وهم داخل المنزل". وأضاف أن التباعد الواضح بين أعضاء الأسرة الواحدة؛ نتيجة تباينات مواعيد العمل والتعليم وبروز الطموحات الشخصية، قلل من فرص التفاعلات اليومية التي كانت تتم داخل الأسرة، من خلال الفرائض الشرعية، كالصلاة معاً، أو عادات يومية كتناول الطعام أو قضاء وقت الفراغ، أو أداء بعض الواجبات الاجتماعية معاً، ويزداد الأمر خطورة بحدوث ما يسمى بالتفكك بين الأجيال، وهو جيل الشباب من جانب، وجيل كبار السن - الشيوخ - بما يمتلكه من خبرات حياتية متراكمة من جانب آخر. وأشار إلى أن انعدام العلاقة الاجتماعية الحميمية بين أفراد مجتمع المدينة؛ نتيجة لعدم الولاء لمجتمع المدينة، وضعف الشعور بالانتماء له يطيح بمفهوم الأسرة والجيرة باعتبارهما مؤسستين هامتين من مؤسسات الضبط الاجتماعي في المجتمع، مبيناً أن العزلة الاجتماعية لأفراد الأسرة أحد الآثار، ويعود ذلك إلى عدم وجود مساحات كافية تساعد على إيجاد بيئة مكانية تلبي احتياجات أفراد الأسرة مع قرنائهم في العمر، خاصة أن الكثير من الممارسات الترويحية التي كانت سائدة قديماً قبل التوسع العمراني الكبير في المدينة السعودية يغلب عليها الابتعاد عن النزعة الفردية؛ بحكم طبيعة المنشط ذاته، لذا نجد أن معظم المناشط الترويحية تتم بشكل جماعي تشاركي بين أفراد المجتمع، وبدرجة مميزة لدى الأطفال، مقترحاً إنشاء مراكز اجتماعية في الأحياء.