"أفضل الطرق للتنبؤ بالمستقبل هي اختراع المستقبل".. صاحب هذه المقولة هو عالم الكمبيوتر الرائد آلن كاي، وقد طبقها على نفسه بأن صار أحد الاوائل الذين صمموا جهاز الكمبيوتر المحمول (لاب توب) ونظام تشغيل بيانيا، بل وعديد من الاختراعات الاخرى. وبالنظر للمستقبل، يجب وضع هذه المقولة في الاعتبار، فالتغيرات الكبيرة التي من شأنها أن تؤثر في عالم التكنولوجيا قد جرت بالفعل، والان يبقى فقط انتشارها. وحددت ماري ميكر، المحللة الشهيرة في مجال التكنولوجيا والانترنت، الاضطرابات الكبرى في مجال التكنولوجيا، وذلك في حديث بداية شهر ديسمبر الجاري. وقالت ميكر إن العالم الان في منتصف "عملية إعادة تخيل لكل شئ تقريبا"، من الرعاية الصحية والتعليم، إلى الاسلوب الذي يتفاعل به الناس مع أجهزة الكمبيوتر، ومعالجة المعلومات، بل والطريقة التي يجوبون بها العالم، فمسيرة التكنولوجيا التي لاتهدأ قد بدأت لتوها، وتزداد وتيرتها يوما بعد يوم. ووفقا لما ذكرته ميكر، سيكون التغير الاكبر خلال الاعوام المقبلة هو الانتشار الواسع في استخدام أجهزة الهاتف الذكي، من جميع الاشكال والاحجام. ففي الوقت الذي يستخدم فيه بالفعل حوالي مليار من أجهزة الهاتف الذكي في أنحاء العالم، إلا أنها لاتزال تحتل حوالي 20 في المئة فقط من أجهزة الهاتف النقال المستخدمة في أنحاء العالم، مما يعني أن حوالي أربعة ملايين شخص سيتستخدمون الاجهزة الذكية خلال السنوات القليلة المقبلة، وهو ما من شأنه ان يطلق تغييرات أكثر ضخامة في ارتباط حياة الناس واستخدامهم لشبكة الانترنت. وقد ساهمت ثورة الهاتف المحمول وشبكات التواصل الاجتماعي الالكترونية في تحريك الثورات التي باتت تعرف بالربيع العربي. أما بالنسبة للمستهلكين، فإن اإنتشار الانترنت وظهور مابات يعرف باسم "سحابة البيانات" الشاملة، حيث يمكن تخزين المعلومات، قد غيرا بالفعل بعضا من أهم الاشكال الاساسية للخدمات الانسانية والسلوك الانساني. وتشرح ميكر: "من الاسهل للناس الحصول على ما يريدون عندما يريدونه عبر شرائه.. الحصول على مدى واسع من البضائع والخدمات-مثل جميع الافلام على موقع نيتفليكس (شركة أمريكية تقدم خدمات عرض الافلام والمسلسلات ومشتقاتها على الانترنت بالاضافة الى التأجير)، بدلا من امتلاك شيء أو عنوانا بعينه". وليست الافلام فقط هي المثال الواضح على هذا النموذج الجديد، بل أيضا الاعمال الموسيقية وأشكال الترفيه والتسلية الاخرى. وربما كان اقتسام السيارة وتأجير العطلات ضمن هذه القائمة. وينطبق النموذج على أساليب الحفاظ على الوقت. ففي ظل تنامي شعبية تطبيقات مثل تاسك رابيت وزارلي، صار العثور على أشخاص ليؤدوا الاعمال الشخصية والمهام الاخرى لاخرين، أسهل بكثير من أي وقت مضى. وقد يعد هذا نبأ سارا لمن يواجهون مشكلة في ضيق الوقت للقيام بأعمالهم، إلا أن الزيادة المطردة في معدلات النمو في استخدمات الانترنت عبر الهاتف الجوال نبأ سيئ لشركة مايكروسوفت عملاق برامج الكمبيوتر العالمية. فنظام التشغيل ويندوز، الذي احتكر يوما ما تشغيل أجهزة الكمبيوترالشخصي قد صار الان لاعبا ثانويا، حيث أن حصة نظامي التشغيل "آندرويد" من جوجل و"أي أو إس" من آبل في أسواق نظم التشغيل في العالم تصل إلى حوالي 45 في المئة، مقابل 35 في المئة نصيب ونيدوز. وحيث أن استخدام الاجهزة التي تستخدم نظامي "آندرويد" و"أي أو إس" يزيد بمعدل مليون جهاز يوميا، ستشهد حصة مايكروسوفت وتأثيراتها مزيدا من الانكماش. وتحذر ميكر من التفكير في أن "عملية إعادة تخيل كل شئ تقريبا" التي يمر بها العالم حاليا لن تستغرق وقتا طويلا حتى تظهر تداعياتها. وتقول إنه مع استمرار الزيادة السريعة في استخدام الأجهزة الجديدة، سيكون حجم التغير القادم مذهلا،" مدفوعا بعاصفة من الامور التي تشمل أسواقا "ذات منافسة حادة" ورجال أعمال ومستهلكين يتمتعون بالجرأة، وإتاحة رؤوس الاموال وتكاليف بدء تشغيل منخفضة".