من المصائب التي تقصم ظهر التنمية في أي بلد أن "توصم" مهنة ما، أو قطاع عمل ما، بما يقلل من قيمة هذه المهنة أو هذا القطاع، أو أن يلحق بمنتسبيه ضرراً معنوياً مهما كان نوعه. وللأسف هذا ما نشهده في بلادنا بين فينة وأخرى، حين ينبري شخص، أو أشخاص بأسماء وشخصيات صريحة، أو مقنعة بستار التقنية التي لا تفرّق بين أسود وابيض إلا وفق هواها ومعتقدها!ولننظر – كمثال – إلى قطاع التمريض، هذا القطاع الذي تحتاجه بلادنا أشد الحاجة، وتحتاج إلى توطين وظائفه بيد بأبناء وبنات الوطن. وبلغة الأرقام نذكر ما نشر عن إحدى الدراسات مؤخراً أن لدينا الآن في المملكة 3 ممرضات فقط لكل 1000 شخص من سكان المملكة، لذا فإن المملكة تحتاج إلى أكثر من 100 ألف ممرضة خلال عام 2040، كما تحتاج بشكل ماس إلى أكثر من 10 آلاف ممرضة خلال الأعوام القادمة، لذا تتجه الوزارة حالياً إلى زيادة عدد الممرضين والممرضات السعوديين لتصل نسبتهم إلى 60% خلال السنوات الخمس المقبلة. كيف يمكن لهذا أن يتحقق إذا كان هناك من يتفنن في "وصم" قطاع التمريض والمنتسبات إليه بما يسيء إليهن بفاحش القول، أو إساءة السمعة، أو التنفير من العمل بهذا القطاع والتسبب بعزوف بناتنا عنه. هذا ما حدث مؤخراً في تغريدة مسيئة تتضمن تهماً لا أخلاقية للعاملات بالقطاع الصحي ولذويهن، أطلقها أحدهم جزافاً وتجنياً، مما جعل عدد من الممرضات والطبيبات يتجهن لمقاضاة صاحب هذه التغريدة لأنه شكك بشرفهن وأساء لهن ولأسرهن.هي صورة ذهنية مشوهة يحاول البعض تعميمها وترسيخها في أذهان مجتمع آمن بدور المرأة وبضرورة مشاركتها في مسيرة التنمية في هذا الوطن، وبدلاً من أن يشجعوها على اتخاذ مكانها الملائم ومساعدتها في القيام بواجبها الإنساني والاجتماعي والوطني، يريدونها أن تتنحى وتترك الميدان للعمالة الوافدة. ما يحدث في هذا الوقت تحديداً هو مؤشر خطير يجب أن لا يمر مرور الكرام، ويحتاج إلى بذل المزيد من التوعية والتثقيف بأهمية دور المنتسبات للقطاع الصحي وحساسية وظائفهن وما يقدمنه لبلدهن، وقد سبق للمنتدى السعودي الثالث للتمريض الذي عقد في المدينةالمنورة مؤخراً أن رفع توصية بضرورة دعم التمريض السعودي و"منع أي من البرامج والمسلسلات التي تسيء لمهنة التمريض". ونزيد على ذلك بالدعوة إلى ضرورة عمل رسائل توعوية قصيرة تجسد حجم الدور المنوط بالممرضة وتدعو إلى احترامها واحترام عملها، كما ندعو وزارة التربية والتعليم، أن تحاول التركيز على نساء عاملات في الميدان كنماذج مختلفة المجالات يفترض بها أن تكون من أبجديات الحياة العصرية التي لا يجب أن يستنكرها الجيل الصاعد طالما هي تمارس عملها باحترام وإخلاص.انها مسؤولية مشتركة على الجميع أن يقوم فيها بدوره المنوط به حتى لا تُترك الساحة لإساءات طائشة تطير بها تغريدات "حمقاء".