شهدت القاهرة حفل نخبة ممتعا أقامته الدكتورة سعاد الصباح تكريما للدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة المصرية الأسبق.. وكان الحفل "وردة على عروة الفارس النبيل" تنسجم مع تطلعات وردة الشعر الخليجي الدكتورة سعاد التي صرفت الكثير لكي تساهم في خدمة ثقافة وطنها الكبير.. الدكتور ثروت عكاشة هو رجل فريد في قدرته على اكساب ثقافته إهاب الاحتشام والوقار الذي يواجه به كل محدثيه, خصوصا وأننا في العالم العربي ربما عن قصد وسوء نية قد مزجنا بين الإعلام والثقافة لكي تنطمس معالم احترام الثقافة أمام ابتذالات الإعلام.. كتب عن تاريخ مرحلة هامة من وطنه, فلم يجير شيئا لحسابه ولم ينصب محاكمات صوتية لمحاسبة آخرين مثلما هو حال معظم كتب المذكرات, ولكنه كان كامل النقاء في رواية كل ما يجزم أنه على دراية به.. لم أقابله فأخرج متبادلا معه كلمات الود والترحيب مثلما هي عادة نهاية كل الزيارات, وإنما كنت أخرج من يلته الأنيقة بالمعادي وفي استيعابي وجود تلميذ يجد وبغزارة ما يستفيد منه.. وأعتبر نفسي محظوظا لأن عملاقين بارزين في بناء ثقافتنا الحديثة كانا هما أكثر من زودني برؤى الخيالات ونقلني بريشة الفنان ولغة الشعر إلى أجمل آفاق الثقافات.. أعني بذلك توفيق الحكيم والدكتور ثروت عكاشة وكلاهما كان عصفورا من الشرق أخذ من باريس جماليات فنونها ثم عاد إلى شرقه دون أن يفرط بما هي عليه فنونه من جماليات, وكلاهما وصل المثقف العربي الناشئ بأهم منجزات الثقافة القديمة عند الإغريق والرومان وزاد على ذلك الدكتور ثروت عكاشة بالتواصل مع الفنون الإسلامية, وبذا وفرا على القارئ العربي الشاب مراحل سنوات طويلة كان سيصعب عليه فيها قراءة تلك الروائع بلغاتها الأساسية, وكما سبق أن أشرت كان تواصل الدكتور ثروت عكاشة مع امتدادات الفنون أكثر غزارة وشمولا .. مثلما هو كاتب من الدرجة الأولى فهو أيضا رغم مجده الثقافي قارئ من الدرجة الأولى, إذ لا أزوره إلا وأتعرف على عنوان ثقافي أو فني جديد أستفيد منه بل أشعر بالخجل أحيانا حين يدلني على عنوان صدر قبل عشرين عاما ومازال في صدارة الإبهار دون أن أدري عنه.. إن تداخل الثقافة مع الإعلام قد أرغمها على بعض مظاهر الادعاء والتهريج فأصبح ما يطرح بين أيدينا ليس بالثقافة الشعبية ولكنه طلاء الأظافر, يبهر العقل للحظات ويتلاشى في لحظات أخرى ويبقى ثروت عكاشة قمة فنية وثقافية لا يستطيع الابتذال أن يقترب منها.. أنقذ معابد أبوسنبل بجهود تبرعات كان لشهرته وعلاقاته الدولية الرفيعة أثرهما في إنجاح تلك الجهود وبقي مسامرا لرؤى الفنان الذي لا تحتسب حياته بعشرات السنوات, ولكنها تمتد من رؤى مسارح الأغريق إلى ما شاء الله من منجزات الثقافة والفنون..