الرؤية الواقعية والموضوعية التي يستشرف بها سمو أمير دولة البحرين للعلاقات الخليجية لو توفرت عند كامل العضوية الخليجية لكان مجلس التعاون قد قطع العمر التعاوني الذي هو فيه قبل عشرة أعوام على الأقل ولكان قد قفز أيضا إلى مشارف آفاق وصلتها شعوب لا توحدها لغة ولا يوجد في ماضي تاريخها إلا حروب العداوات. لقد سرني أن استمع إليه وهو يعطي المملكة حقها من التقدير في تعاملها مع الزمالة الخليجية.. أفرحني برؤيته حيث أحس بالغبن على تواصل "طول البال" الذي نتعامل به مع مراوحة القرارات والقبول بموقع مداولة مثل الآخرين, لكن كان لابد أن يشد انتباهي ذلك الحضور الحيوي لذهنيته وبعد نظر شاب يجمع بين مستوى التعليم الجيد ومستوى كفاءة تحمل المسؤولية عندما قال: إن المملكة حريصة على إطمئنان العضوية الخليجية وتكتفي في سبيل ذلك بعضوية متكافئة رغم اختلاف عدد السكان والمساحة والمسؤوليات, لكنها حين تعرضت دولة خليجية للعدوان لم تتوان في تحمل المسؤوليات للدفاع عن أرض خليجية.. هذا الإنصاف اللماح جعلني أذهب إلى ما هو أبعد في تصور العلاقات الخليجية.. صحيح أن المملكة حين تعرضت الكويت لاحتلال العراق فتحت أبواب بيوتها للكويتيين بأخوة هم جديرون بها وفتحت حدودها لعبور قواتها في حرب تحرير لابد منها بعد استنفاد جدوى الاتصالات, لكن ماذا سيحدث لو تعرضت المملكة لا سمح الله إلى احتلال أرضها أو جزء من تلك الأرض.. ما هي الدولة الخليجية القادرة على أداء الدور السعودي حيال الكويت.. هذه نقطة هامة يجب معها إنصاف المملكة في تعامل المجموع الخليجي معها ولا يجب أن يكون تواصل التهديد العراقي أو وجود القوة الأجنبية حافزا على تفكيك قوة القرار, لأن صدام حسين حتى الآن لم يطمئن أي عضوية خليجية بسلوك إيجابي تجاه السلام, ولأن القوة الأجنبية لا يمكن أن تخدم إلا استراتيجياتها البعيدة المدى , وتوثيق الصداقات الدولية مطلوب, وسيكون أكثر جدوى حين يوجد مجموع خليجي متماسك متحد القرار والاستراتيجيات.. ولعل الإطمئنان الآن عند بعض العضوية الخليجية إلى تصاعد الأهمية الدولية بمنطقة الخليج حتى أنها تبدو في بعض الأحيان كما لو كانت انعتاقا من ضرورات أخلاق الجوار وتبعات المصالح.. هذا الإطمئنان يذك ر بحكاية طريفة سمعت أنها حدثت في بداية عهد الملك عبدالعزيز عندما زار صحفي فرنسي منطقة الخليج وعاد ليكتب عنها بأنها عبارة عن تجمعات سكانية صغيرة آمنة, لكنها تخاف من تصاعد القوة السعودية. الجدير بالذكر أن كل تلك التجمعات السكانية الصغيرة آنذاك كانت محكومة بالوجود البريطاني ولا تجد في ذلك انتقاصا لأمنها وخطرا على مستقبلها, لكن المستقبل الحقيقي بجوار والذي يفترض أنه عمق و"تكبير" لها هو الذي يمثل إزعاجا لواقع تعايشها مع الوجود البريطاني.. سمو الشيخ حمد آل خليفة يرى أن تزايد قوة المملكة هو تزايد لقوة الخليج وأنه يجب تقدير مسلكية الإخاء السعودي الذي لا يجنح إلى التهدئة عن ضعف, ولكن ليؤكد أنه الأحرص دائما على توفير انسجام خليجي إن لم يتوفر الآن فإنه يجب أن تبذر جذور التأسيس لجيل قادم لن يجد بديلا عن العمق السعودي, ولن يجد قوة ذاتية في غير تلاقي القوى الخليجية وانسجام رؤيتها..