أمن الخليج العربي مثار فزع يقدره البعض بالخطير، وآخرون ينامون على فهم خاطئ بأن تعرضه لأي غزو أو زعزعة لأمنه، سيقود الغرب إلى حشد قواه العسكرية لحمايته، وهذا الوهم يبنى على ما حدث لغزو الكويت من قبل قوات صدام حسين، ودخول القوات الدولية لتحريره، وقد جاءت الأزمة ومتتالياتها في ظرف زمني قد لا يتكرر، ولازلنا نعرّف هذا الأمن بتحديات إيران، وهو أمر أساسي، لكن المحيط كله بهذه الدول يشير إلى مخاطر تتنوع بحسب ظرف كل منها.. فإيران واقع معروف، ومتعارف عليه، لكن هل وقفنا على وضع اليمن والهزات المتتابعة، التي قد نستيقظ على أكثر من مفاجأة، فعوامل القبيلة والفقر وكم السلاح الذي بيد المواطنين، وتنامي قوة القاعدة، ودخول إيران طرفاً مع الحوثيين، هي مجموعة إنذارات لدول مجلس التعاون الخليجي.. الأمر الآخر أن شكل حماية الخليج العربي، لازال فكراً مشتتاً لا يوجد له تعريف دقيق من هذه الدول، وإذا وجد، فلا تزال الموانع والمعوقات موجودة، ثم لو أردنا، بالفعل تشكيل قوة اقتصادية وعسكرية، فهل فكرنا جدياً بالواقع الديموغرافي (السكاني) عندما وصلت نسبة المواطن الخليجي، في بعض الدول الخمسة، والعشرة في المائة، وأن سكانها لا يستطيعون تشكيل قوة شرطة لحماية أمنها أمام نسبة التسعين والثمانين في المائة من العمالة الأجنبية التي استوطن بعضها منذ ثلاثة عقود، وقد تكتسب جنسيتها بحكم هذا التقادم، فهل تستطيع هذه الدول أن تقبل بالنسبة والتناسب في تشكيل أي قوة، ومن سيمثلها من جنود وضباط، وكل ما يتعلق بتأسيس جيش محترف على مستوى متطور من التسليح والتدريب، و بقدرات وطنية خليجية؟ هذا التحدي لا يوضع في موازين المخاطر أمام الخلل الديموغرافي الذي لا يقل عن أي تدخل خارجي، لأن الشرائح الموجودة من الأجانب في الدول الخليجية، هي رصيد لدول المنشأ التي قد تجد أي فرصة باعتبار أقلياتها جيشاً احتياطياً لها في خلق أي أزمة، أن تتدخل بقانون هذا التواجد.. تركيا قوة موازية تريد الدخول كعامل توازن وقيادة في المنطقة كلها، لكن من يتجاهل كيف ستعلو مصالحها على غيرها بتناسي وقائع الأحداث، والأمر مختلف تماماً مع القوى الخارجية، فقد تقف ضد أي تدخل إيراني مرحلياً، ولكن كما نتذكر، فهي نصّبت شاه إيران رجلها وشرطيها في كل الخليج وقد يتكرر الأمر بظروف وشروط أخرى مع إيران في حال تغيرت الأحوال، والرهان عليها في المستقبل البعيد، تجاهل للحقائق، وكل ما تبديه الظروف القادمة، فالقوى الدولية تجري خلف خطط طويلة لا تخضع للحب والكره، وحتى لو أوهمنا أنفسنا بأننا من يحمي مصالح هذه الدول، فبعد تفكيرها يختلف عما نراه ونعتقد بجدواه، وفي حال اهتزاز أمن بعض دول الخليج العربي من داخلها، فلن نجد من يقبل أن يحارب جنسيات تجذر وجودها، وأصبحت من يتخذ القرار، وهذا ما يجب أن نفهمه، إذا كنا نريد حماية مكتسباتنا من أي نفوذ آخر!!