تضامنت "شروق" مع زوجها لشراء "منزل العمر"، حيث استدانت قرضاً مالياً تجاوز ربع مليون ريال؛ بهدف السعي للعيش الكريم مع شريك حياتها وأبنائها.. وقع الطلاق فوجدت نفسها خارج كل ما خططت له.. المنزل لزوجها والقرض هي من تسدده، مازالت تجر خطاها في المحاكم لإرجاع ولو جزءاً بسيطاً من حقها، دون أن يُكتب لها شيء! ولم يكن "مازن" أوفر حظاً من "شروق"؛ لأنه موظف حكومي أسس مشروعه التجاري الخاص باسم زوجته، أودع فيه كل ما يملك، وغاب عن ذهنه توثيق ذلك؛ لتتوفى وتصبح تجارته إرثا لأبنائها من زوج آخر! نواقيس خطر وإهدار مالي بين زوجين، أخذتهم الثقة لمنحى غير واقعي؛ معتقدين البقاء الأبدي، مُتجاهلين الطلاق والوفاة والحوادث العرضية، حيث تضج المحاكم بهم يومياً؛ والسبب حسن النوايا والحياء غير المبرر؛ فالزواج يُعد مؤسسة قائمة بعقد وشهود ورأس مال، إلاّ أن هناك من يتجاهل توثيق الذمة المالية لأسباب غير منطقية، ينتج عنها غالباً هضم حقوق كلا الطرفين. ويبقى من المُهم وجود ذمة مالية بين الزوجين، توثق كافة المبالغ لضمان الحقوق، خاصةً أن وزارة العدل أعلنت مؤخراً في تقريرها أن حالات الطلاق التي سجلت في الوزارة رسمياً للسعوديين بلغت (26840)، وبنسبة بلغت (18%) من مجمل حالات الزواج في المملكة، وهو ما يُحتم زيادة الوعي القانوني نحو الحقوق التي أقرتها الشريعة الإسلامية، مع قشع "غشاوة" الجهل عن البعض، لإعلاء مبدأ العدالة والمساواة، ولا مانع من "إلزام" الزوجين بوضع ذمة مالية بينهما توثق فيها حقوق كل طرف، كما هو الحاصل في إلزام المقدمين على الزواج بالفحص الطبي. ويخطئ البعض بربط الذمة المالية بالثقة والعاطفة؛ فالعاطفة بين الزوجين هي قوام الحياة وأساس سعادة الزواج، لكن لا ينبغي أن تحول دون توثيق الحقوق، ولا ينبغي للطرف الآخر المدين أن ينظر لهذا التوثيق على أنه سوء ظن وتشكيك، فهو حق أمر الله به بين المتداينين في قوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه". مباشرة العقود وقالت "روان البدر" -حقوقية-: إن فكرة الذمة المالية تنصرف في الفقه الإسلامي إلى صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات على اختلاف أنواعها المالية وغير المالية، مضيفةً أنه لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة في الأهلية المالية وما يتبعها من تصرفات، حيث أن الإسلام قد أباح لها ما أباح للرجل سواء بسواء، وجعل لها حق مباشرة العقود المدنية بكافة أنواعها، بل وجعلها صاحبة الحق المطلق على ملكها، مبينةً أن الإسلام لم يجعل لرجل أياً كانت صفته أو قرابته أي سلطان عليها، فلها تملك الأرض والمباني وكافة أنواع الممتلكات والأموال، ولها أن تمارس التجارة من بيع وشراء ومزرعة وشركة ومضاربة وسائر تصرفات الكسب الحلال، إلى جانب أن لها توكيل غيرها فيما لا تريد مباشرته بنفسها، ولها أن تضمن غيرها وأن يضمنها غيرها ولها أن توصي لمن تشاء ممن هو أهل الوصية. وأضافت أنه من ضمن حقوق المرأة في الشرع واستقلالية ذمتها أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ من مالها شيء إلا برضاها وطيب نفسها، وإن أخذ شيئاً منه كرهاً سواء أكان إكراها مقنعا أو مكشوفا، فإنه يعد غصباً والغصب حرام على المغتصب ويجب عليه رده، ذاكرةً أن للزوجة الحق في المطالبة بفسخ النكاح إذا ثبت أن الزوج غير قادر على الإنفاق عليها ويتم الفسخ برفع أمرها للقضاء. ثقافة قانونية وأوضحت "روان البدر" أن الإسلام وهب المرأة كافة حقوقها لكن جهلها بها وضعف شخصيتها هو نتاج التربية التي تجعل المرأة راضخة دائماً وتحمل شعار "المرأة ناقصة عقل ودين"، مضيفةً أن المرأة هي من أتاحت للرجل استغلالها، وللأسف كثيراً يكون برضاها, مبينةً أن الجهل بالقانون أحد أهم أسباب تكدس القضايا التي تخص المرأة من طلاق ونفقة وأمور تتعلق بذمتها المالية، وهذا يحمل على عاتق المحاميات في إيضاح أبعاد القانون وتفصيلاته لبنات جنسهن؛ لزيادة الوعي القانوني نحو الحقوق التي قررتها الشريعة الإسلامية، مطالبةً من جميع خريجات القانون أن يراعين تزكية العلم الذي درسنه في سبيل نشر الثقافة القانونية وقشع غشاوة الجهل بالحقوق عن البعض، لإعلاء مبدأ العدالة والمساواة، إضافةً إلى تثقيف المرأة بأن الزواج كأي مؤسسة يحتاج إلى عقود وتوثيق حقوق التزامات مالية مختلفة. ثقة الزوجة بشريك حياتها ربما أفقدتها كثيرا من المال ميثاق غليظ ورأى "محمد الجذلاني" -كاتب وقاض سابق- أن العلاقة الزوجية من أشرف العلاقات الإنسانية وأكثرها احتراماً وتعظيماً عند جميع الشرائع الدينية والقوانين البشرية، وقد أعلى الإسلام من قدرها وأسماها الله ميثاقاً غليظا في قوله سبحانه: "وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظا"، مضيفاً أن ما يتم بين الزوجين من علاقات وحقوق والتزامات مالية يمكن تقسيمه إلى قسمين؛ الأول التزامات وتعاملات مالية هي جزء من حقوق وآثار عقد الزوجية مثل النفقة والسكن وحق المرأة على زوجها بعلاجها.. الخ، والثاني التزامات وتعاملات مالية ليست من لوازم ولا واجبات الزواج، بل تخضع لرضا وقبول وإرادة صاحب المال زوجاً كان أو زوجة، موضحاً الفرق بين النوعين، بأن الأول لا يليق أن يدخله التدقيق والتوثيق بين الزوجين؛ لأن هذا من سوء الظن ويتنافى مع الأخلاق الكريمة وحسن العشرة، بينما النوع الثاني فإن من المناسب بل والمطلوب أن يهتم الزوجان بتوثيقه وحفظه، حمايةً لحق كل منهما، واحتياطاً عن الخطأ والنسيان أو الموت والحياة، أو ما قد يطرأ مستقبلاً من خلافات وهذا من طبيعة البشر. وثقوا ما بينكما حفظاً للحقوق واحتياطاً عن الخطأ والنسيان أو الموت والحياة ثقة وعاطفة وذكر "الجذلاني" أن الجهة الأكثر حاجة لوجود مثل هذه الذمة المالية هي المرأة؛ لأنها غالباً أضعف من الرجل؛ ولأنه يكثر من الرجال استغلال زوجاتهم والاستيلاء على أموالهن إما بسوء قصد، أو تهاوناً ولا مبالاة، أو طمعاً وضعف مروءة، مضيفاً أن هناك من يربط الذمة المالية بالثقة والعاطفة, فالعاطفة بين الزوجين هي قوام الحياة وأساس سعادة الزواج، لكن لا ينبغي أن تحول العاطفة دون توثيق الحقوق، ولا ينبغي للطرف الآخر المدين أن ينظر لهذا التوثيق على أنه سوء ظن وتشكيك، فهو حق أمر الله به بين المتداينين في قوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه"، مؤكداً أنه في العصر الحاضر كثرت الدعاوى والخصومات، ومنها ما وصل للمحاكم والقضاء ومنها ما لا يصل، إلى جانب أنه كثر أكل الحقوق والتهاون بها من الناس بما فيهم الأزواج فيما بينهم. وطالب الجذلاني إلزام الزوجين بوضع ذمة مالية بينهما توثق فيها حقوق كل طرف متى ما كانت هناك تعاملات مالية مثل قرض أو شراكة أو كفالة ونحو ذلك, مثل إلزام المقدمين على الزواج بالفحص الطبي. نظام إلزامي وأكد "الجذلاني" أن وجود المرأة العاملة اليوم جعل كثيراً من النساء يكون لهن دخل مالي خاص، وقد يكون لها استثمار وتجارة أو ادخار رواتبها، مضيفاً أنه أصبح كثير من النساء تشارك زوجها في تأمين المسكن سواء بالشراء أو البناء أو غيرها، ويكون لها نصيب في ملكية المنزل، وبعض النساء تُقرض زوجها أموالاً حتى وإن كان لأغراض النفقة، فهذا لا يعفي الزوج من سداد القرض؛ لأن النفقة واجبة عليه لا على الزوجة, مبينةً أن بعض النساء تعطي زوجها مبلغاً من المال يستثمره لها إما باسمه أو باسمها، وهذه التعاملات كلها من الضروري توثيقها وتحديدها، لافتةً إلى أن هذا التوثيق من أهم وسائل نجاح الحياة الزوجية وعدم تعريضها للاضطراب والزعزعة الناتجة عن الاختلافات المالية، كما أن فيها تكريسا لاستقلال شخصية المرأة واحترامها واحترام حقها في الملكية وعدم التهاون في ذلك, موضحاً أنه لو وجد نظام إلزامي يجبر الزوجين على هذه الذمة المالية وتم إفهامهم بأن كل من يدعي منهم حقاً على الآخر دون أن يكون ذلك مكتوباً فإن دعواه لا تسمع، لقضى القضاء على الكثير من الخلافات التي تعج بها المحاكم ولتم حفظ الكثير من الحقوق الضائعة.