في الماضي حينما كانت حياتنا بسيطة بل بسيطة جداً، كانت مُدننا وقرانا تُلبّي احتياجاتنا المتواضعة. لم نك نُعاني حينها من منغصات وتعقيد حياة الحاضر في مُدن الطواحين. نعم إنها تطحن أعصابنا، تلتهم أوقاتنا وتقضي على ما تبقى من إنسانيتنا. سكّان المُدن الكبرى معذورون فيما لو قستْ قلوبهم وتحجّرتْ مشاعرهم تجاه الإنسان عامّة فما بالك بالإنسان الضعيف الذي يحتاج إلى من يفتح لهُ نوافذ الأمل بحياة سهلة ميسّرة بجانب حفظ كرامته. اليوم: تخيّل لو أتتك رسالة على جوّالك تقول "لا تتعب في مراجعتنا، استرخِ في مكانك وسنخدمك نحن" التوقيع: إدارة كذا. " أو " نقدّم خدماتنا لك إليكترونيا بالكامل، فلا تُتعب نفسك في مراجعتنا، خدماتنا رهن أصابعك". أعرف أن هذا يحدث في بعض البلدان المتقدّمة ومنها المجاورة لنا فهل يصعب علينا هذا في بلادنا؟؟ الجواب كلاّ، بل لدينا ما هو أكثر إنسانية من هذا. ما هو ؟؟ في عنيزة تلك المدينة الغافية على صدر منتزهات الغضا رأيتُ في شوارعها لوحات إعلانية كبيرة مثل تلك الموجودة في المُدن الأخرى لكن المكتوب فيها شيء مُختلف. بلدية عنيزة تهمس بكل رقّة "إخواننا ذوي القدرات الخاصة: من أماكنكم.. نخدمكم. فقط اتصل على رقم ( 0503645550)".. مع تحيات بلدية عنيزة. أرأيتم كيف نستطيع إعادة إنسانيتنا التي سحقها الركض في مفازات الحياة الصعبة في عصرنا الحالي. فعلٌ وظيفيّ صغير كمجهود بدنيّ لكنه كبير بل عظيم في دلالاته. ثم ما أجمل صيغة المخاطبة والاعتزاز بالخدمة. لم أفق من خيالاتي وأنا أجول شوارع المدينة الحالمة إلاّ على لوحة أُخرى تقول: معاً.. لنجعل عنيزة مدينة صديقة للمعاقين. فعاليات ترفيهيّة، اجتماعيّة، علمية وغيرها. التوقيع: جمعية عنيزة للخدمات الإنسانية (تأهيل). سألتُ نفسي ما الذي يحدث في عنيزة يا تُرى ؟؟ هل هذا الحِراك الإنساني الجميل فعل مستمر أم هي زوبعة (مُناسباتية) ما تلبث أن تخفت ثم يطويها النسيان كغيرها من المشاريع الورقيّة البرّاقة؟؟ أتمنى أن يُخطىء حدسي هذه المرّة وتُكسر القاعدة لتكون مثل هذه الأفكار المُتحضّرة هي النموذج المُفترض وجوده في بقيّة المصالح الحكومية الخدميّة في بلادنا. سيرصد كاتب هذه السطور تطور فكرة وجود مدن صديقة للمعاقين بحق وحقيقة مع الأمل ألاّ تكون الحكاية برمّتها عبارة عن حلم ليلة صيف غشاها ضباب شتاء المربعانية.