المملكة صانعة السلام    تزامنت مع تباشير التأسيس.. الاختبارات بالثوب والشماغ    لمسة وفاء.. زياد بن سليمان العرادي    عبدالله المعلمي.. صوت العقل والرزانة في أروقة الأمم المتحدة    الاحتلال يواصل الاقتحامات وهدم المنازل في الضفة    التعامل بحزم مع الاعتداء على «اليونيفيل».. السعودية تدعم إجراءات لبنان لمواجهة محاولات العبث بالأمن    وزير الداخلية ونظيره اللبناني يبحثان مسارات التعاون الأمني    وزير الداخلية والرئيس التونسي يستعرضان العلاقات والتعاون الأمني    في الجولة الأخيرة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي يواجه الغرافة.. والنصر في ضيافة بيرسبوليس    في انطلاق الجولة 22 من دوري" يلو".. الجبلين في ضيافة الزلفي.. والعين يواجه البكيرية    2 % معدل التضخم في المملكة    ريادة سعودية في صناعة الفوسفات.. 4.6 تريليون ريال موارد تعدينية بالشمالية    حين يصبح الطريق حياة...لا تعطلوا الإسعاف    ضبط 5 وافدين في جدة لممارستهم أفعالا تنافي الآداب العامة في مراكز الاسترخاء    هيئة العقار تشارك في «ريستاتكس الرياض»    تكريم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز في دورتها ال 12    قصة برجس الرماحي    تكريم المبدعين    تراجع مفهوم الخطوبة بين القيم الاجتماعية والتأثيرات الحديثة    عيد الحب.. بين المشاعر الحقيقية والقيم الإسلامية    10 مسارات إثرائية لتعزيز تجربة قاصدي الحرمين في رمضان    تحذير من أجهزة ذكية لقياس سكر الدم    محافظ جدة يُدشّن الحملة الوطنيّة المحدودة للتطعيم ضد شلل الأطفال    النفط ينهي سلسلة خسائر «ثلاثة أسابيع» رغم استمرار مخاوف الهبوط    المملكة العربية السعودية تُظهر مستويات عالية من تبني تطبيقات الحاويات والذكاء الاصطناعي التوليدي    وزير الاقتصاد: توقع نمو القطاع غير النفطي 4.8 في 2025    يانمار تعزز التزامها نحو المملكة العربية السعودية بافتتاح مكتبها في الرياض    الشيخ السليمان ل«الرياض»: بعض المعبرين أفسد حياة الناس ودمر البيوت    «سلمان للإغاثة» يدشن مبادرة «إطعام - 4»    أمير الشرقية يرعى لقاء «أصدقاء المرضى»    الحجامة.. صحة وعلاج ووقاية    محمد بن ناصر يدشّن حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال    يوم «سرطان الأطفال».. التثقيف بطرق العلاج    ملّاح داكار التاريخي.. بُترت ساقه فامتدت أسطورته أبعد من الطريق    الرياض.. وازنة القرار العالمي    "أبواب الشرقية" إرث ثقافي يوقظ تاريخ الحرف اليدوية    مسلسل «في لحظة» يطلق العنان لبوستره    عبادي الجوهر شغف على وجهة البحر الأحمر    ريم طيبة.. «آينشتاين» سعودية !    الترمبية وتغير الطريقة التي ترى فيها السياسة الدولية نفسها    الملامح الست لاستراتيجيات "ترمب" الإعلامية    بيان المملكة.. الصوت المسموع والرأي المقدر..!    القادسية قادم بقوة    يايسله: جاهزون للغرافة    الحاضنات داعمة للأمهات    غرامة لعدم المخالفة !    منتدى الاستثمار الرياضي يسلّم شارة SIF لشركة المحركات السعودية    الأهلي تعب وأتعبنا    وزير الاقتصاد يلتقي عددًا من المسؤولين لمناقشة مجالات التعاون المشترك    أمين الرياض يحضر حفل سفارة كندا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لدولة الكويت    بموافقة الملك.. «الشؤون الإسلامية» تنفذ برنامج «هدية خادم الحرمين لتوزيع التمور» في 102 دولة    أمير نجران يكرّم مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة سابقاً    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ميزان المصير الوطني في السودان» ... رعاية الأمم المتحدة شرط نجاح الاستفتاء والحدود قنبلة موقوتة (4من5)
نشر في الحياة يوم 20 - 12 - 2010

كتاب الصادق المهدي الجديد «ميزان المصير الوطني في السودان» يأتي في فترة حرجة مع اقتراب الاستفتاء في جنوب السودان، ويعرض زعيم حزب الأمة بالمعلومات والتحليل لهوية جنوب السودان وروافد النزاع في الدولة السودانية الحديثة، مقدماً صورة للتراكمين الخبيث والحميد في مقاربة هذا النزاع عبر اتفاقية السلام تحت مظلة مجموعة دول «ايقاد».
ويركز المؤلف على التنظيمات الإسلامية وصعود تياراتها منذ الانتداب المايوي (جعفر نميري) وصولاً الى انقلاب «الانقاذ» الذي أودى بالسودان الى الحال الراهنة عند مفترق الانقسام وربما التفتت كما يرى المتشائمون،.
وجنوب السودان الذي ينتظر موعد الاستفتاء، له مشاكله الداخلية التي يعرضها المؤلف من خلال أصوات جنوبية ودولية، كما يتناول أزمة دارفور التي يسميها «قاصمة الظهر». أما الاستفتاء وما بعده فيحظيان بثلاثة فصول من الكتاب الذي هو في المحصلة شهادة انحياز الى الإنسان السوداني، من خلال وعيها بمشكلات وطن ومحيطه الإقليمي والتدخلات الدولية فيه، فضلاً عن إهمال معظم حكوماته المتعاقبة ما يقتضي حكم بلد غني ومتنوع من جهود ووعي.
«الحياة» تنشر فصولاً من كتاب الصادق المهدي في خمس حلقات، وهنا الحلقة الرابعة:
الانتخابات الديموقراطية هي وسيلة لتحقيق مشاركة المواطنين في حكم بلادهم، بإبعاد الذين لم ينالوا ثقة الشعب وانتخاب الذين نالوها، وبذلك يتحقق التناوب السلمي على السلطة. إنها عملية مشاركة ومساءلة.
أما في النظم الديكتاتورية، فليست الانتخابات إلا وسيلة لتمكين الحكام، عبر آلية هي في ظاهرها ديموقراطية ولكنها في حقيقتها تزييف للإرادة الشعبية.
الانتخابات في الميزان
لقد قاطعنا انتخابات نيسان (أبريل) 2010 عندما تأكد لنا أنها آلية تمكين لا تناوب سلمي على السلطة.
ومنذ الانتخابات الأخيرة، كلفت لجنة الانتخابات العليا لحزب الأمة لجنة متخصصة جمعت المعلومات من كل مصادرها وأشركت أجهزة الحزب المركزية والقاعدية واطلعت على المعلومات والتقارير من كافة المصادر المعنية، ثم ألّفت كتاباً جامعاً بعنوان: «انتخابات نيسان (أبريل) 2010 في الميزان».
ومن أهم أهدافنا في هذه الدراسة ومن نشرها تقديم الدرس المستفاد من الانتخابات التي عمل فيها كل حزب حاكم على تمكين سلطانه لعملية الاستفتاء التي تقرر مصير البلاد، ويرجى أن تكون حرة ونزيهة لكيلا تتبع خطوات الانتخابات وتخضع للتزوير.
تأكد لنا أن النزاهة والحرية في الانتخابات الأخيرة قد فُقدت عبر عشرة عناوين هي:
- من غفلات اتفاقية السلام أنها نصت على الالتزام بحقوق الإنسان كما وردت في المواثيق الدولية وبالحريات ولكن نصت على استمرار قوانين الحكم الشمولي إلى حين استبدالها، فبقيت تلك القوانين إلى يومنا هذا. وجعلت «الانتخابات» تجرى في ظل قوانين الشمولية، أي في غياب الحريات.
- ومفوضية الانتخابات التي أريد لها أن تكون مستقلة لتقوم بمهمة تاريخية تخلت عن دورها تماماً وانضمت لآليات التزييف.
- وقانون الانتخابات الحارس للحرية والنزاهة خُرق في كثير من بنوده.
- ولحقت العيوب بكافة المراحل، بدءاً من التعداد السكاني الذي أدير بشكل مختلف عليه، ثم ترسيم الدوائر الذي لم يخل من تلاعب، ثم غياب التدريب وعيوب التسجيل.
- واستغل الحزب الحاكم مؤسسات الدولة وإمكانياتها لدعايته بصورة سافرة.
- وسُخرت كافة أجهزة الإعلام المملوكة للدولة لمرشحي الحزب الحاكم. كما وضعت قيودٌ على دعاية بقية الأحزاب.
- صرْف الحزب الحاكم مبالغ فيه، متعدٍّ السقوف العالية التي حددتها المفوضية بعد تلكؤ.
- وأهملت الحكومة البند الخاص بدعم الأحزاب المتنافسة، كما في القانون، بل أبقت على مصادرتها لأموال الأحزاب دون جبر للضرر.
- حُشيت الصناديق بأوراق اقتراع تزويرية، كما استبدلت صناديق اقتراع ليلاً.
- ولحق العيب بالعدّ والتجميع، وبإجراءات الشكاوى والاستئناف.
وكانت نتيجة هذه الإجراءات إجماع كافة القوى السياسية التي قاطعت «الانتخابات» والتي اشتركت فيها على عدم نزاهتها ورفض نتائجها. فلو كان التزوير ذكياً لاختفت حقيقته على بعضهم، لكنه كان غبياً إلى درجة لم تسمح لغير أصحاب المصلحة فيه بأي شك فيه.
كنا نرصد مراقبة المراقبين. ومع قلة أعداد المراقبين الدوليين، فقد تأكدت لهم عيوب «الانتخابات».
الغربيون، من أوروبيين وأميركيين، أدركوا العيوب ووثّقوا لها. ولكن أوصوا غالباً بقبولها، لأن الشيء من معدنه لا يُستغرَب، فمقاييس منطقتنا في نظرهم متدنية.
المنظمات الإقليمية، كالجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومؤتمر الدول الإسلامية، تعاملوا مع «الانتخابات» بما يرضي حكومة عضو معهم في منظماتهم. هذا الانحياز للحكومات الأعضاء هو الذي جعل هذه المنظمات بعيدة عن الشعوب، وعاجزة عن تقديم النصح للحكومات لحل مشاكلها.
منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية، ك «هيومان رايتس ووتش»، كانت موضوعية ووصفت «الانتخابات» بما يستحق. إن تحليل ملف المراقبة وبيان حيثياته من دروس هذه «الانتخابات» الهامة ستكون له فائدة كبيرة في بيان أن بعض المراقبين موضوعيون، وأن بعضهم تسيرهم أهواء سياسية.
عندما وضعنا اتفاقية سلام نيفاشا في الميزان في الكتاب الذي نشرناه في أيار (مايو) 2005، رحبنا بإيجابيات الاتفاقية في وقف الحرب والالتزام بالتحول الديموقراطي، وأبدينا تحفظات أظهرت الأيام صحتها. بل أخفقت الاتفاقية في أهم ثلاثة من أهدافها: هدف تكوين حكومة جامعة في الفترة الانتقالية، وهدف جعل تلك الفترة جاذبة، وهدف التحول الديموقراطي.
تأثيرات على الاستفتاء
كانت الانتخابات هي آخر مراحل التحول الديموقراطي. ولكن الحزبين الحاكمين لم ينظرا إليها كذلك: فالمؤتمر الوطني اعتبرها درعاً للوقاية من المساءلة الجنائية الدولية ولا مناص من الفوز بها بكل الوسائل، والحركة الشعبية اعتبرتها عتبة مهمة للاستفتاء وتقبل بأي حالة.
وتبارى المعلقون من جهات دولية في التركيز على مجرد إجراء «الانتخابات» لإفساح الطريق لإجراء استفتاء تقرير المصير، ولكن فاتهم أن غياب الحريات والاختلاف حول نتائج الانتخابات سوف يلقيان بظلالهما على الاستفتاء المزمع.
إن الاختلاف حول نزاهة مفوضية الانتخابات الوطنية سوف ينتقل الى اختلاف حول نزاهة مفوضية الاستفتاء الوطنية، كما أن موقف «المؤتمر الوطني» في الجنوب بأنها كانت زائفة، وموقف «الحركة الشعبية» من الانتخابات في الشمال بأنها كانت مزيفة، سوف يلقيان بظلالهما على الاستفتاء ونتائجه.
أرقام الانتخابات تؤكد حقيقتين مؤثرتين على الاستفتاء هما:
أولاً: الانقسام الحاد في الجسم السياسي السوداني. ومهما كان حجم التزوير، فإنه لا يخفى أن من «صوّت» لمرشح المؤتمر الوطني للرئاسة نال أقلية من أصوات المسجلين للتصويت. فإذا جُمع عدد الذين لم يصوتوا أصلاً، والذين صوتوا لغيره، لصارت نسبة ما نال من الأصوات 33 في المئة من عدد المسجلين للتصويت.
ثانياً: الأرقام تدل على أن «المؤتمر الوطني» سيطر على الشمال وأن لا حظَّ له في الجنوب، وأن الحركة الشعبية سيطرت على الجنوب ولا حظ لها في الشمال، أي أن النتائج الانتخابية معتمدة على السيطرة الإدارية والأمنية للحزب الحاكم في جهته.
إذاً وبناء على انتخابات نيسان (أبريل) سوف يكون موقف الاستفتاء:
- طعن أحد الأطراف في نزاهة مفوضية الاستفتاء.
- طعن متبادل في نتيجة الاستفتاء في الشمال وفي الجنوب.
هذا الاختلاف حول نزاهة وحرية الاستفتاء ستكون عواقبه أخطر من الاختلاف حول نزاهة الانتخابات، وسوف يتضح أن فساد الانتخابات سوف يلقي بظلاله على الاستفتاء حتماً محتوماً.
كتابنا عن «انتخابات نيسان (أبريل) 2010 في الميزان» وثيقة سياسية مهمة للشعب السوداني:
1 - في الفصل الأول يتناول عرض وتحليل التجربة الانتخابية في السودان منذ بدايتها حتى نهايتها، مظهراً الفرق بين التجارب الديموقراطية والديكتاتورية، وهي فروقات يسعى كثيرون لإسقاطها.
2 - الفصل الثاني يستعرض تجربة الانتخابات في عهد «الإنقاذ»، مما يوثق لثقافة التزوير التي سادت تحت رايات «المشروع الحضاري».
3 - الفصل الثالث يستعرض الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات، ويفصل كيف أن ذلك الإطار معيب في بعض أوجهه ومثقل بتشريعات شمولية كثيرة، ولكن حتى النصوص القانونية العادلة خرقت في الواقع.
4 - الفصل الرابع يستعرض تجربة مفوضية الانتخابات، ويوضح أنه رغم استقبالها بروح إيجابية طيبة، من قبل كافة القوى السياسية في السودان، شدتها عوامل في تكوينها والمناخ السياسي المحيط بها لممارسات طعنت في استقلالها ونزاهتها.
5 - الفصل الخامس أوضح كيف تجاوز الحزب الحاكم سقوف التمويل، وكيف حرمت الأحزاب المنافسة من تمويل نص عليه القانون.
6 - والفصل السادس تناول رقابة المراقبين المحليين والدوليين بالوصف والتحليل والدروس المستفادة من ذلك، مؤكداً أن شعب كل دولة هو الحكم النهائي على الانتخابات كما نصت الأدبيات الدولية.
7 - الفصل السابع تعرض للتعداد السكاني لسنة 2008 وترسيم حدود الدوائر الانتخابية وما ورد في ذلك من أخطاء وغموض.
8 - الفصل الثامن تعرض للمخالفات في عملية التسجيل وما أدت إليه من أساليب فاسدة ومخاطبات القوى السياسية للمفوضية للإصلاح دون جدوى وتقييم المراقبين للعملية.
9 - وتعرض الفصل التاسع لعملية الترشيح وما صحبها من أساليب فاسدة سخرت فيها إمكانات الدولة لصالح مرشحي الحزب الحاكم ومضايقة منافسيهم.
10 - والفصل العاشر يوضح الأساليب الفاسدة التي انطوت عليها الحملة الانتخابية، وفشل الآلية التي كونتها المفوضية ومقاطعة الأحزاب لها وللمنشور الذي أصدرته ليضيف قيوداً على أداء الأحزاب.
11 - والفصل الحادي عشر يوثق لمفاسد الاقتراع في مجالات التصويت المختلفة من أخطاء فنية في الطباعة وفي ترحيل البطاقات للمراكز الخطأ إلى تدخل سافر في حرية الاقتراع وفي خيارات الناخبين وغير ذلك.
12 - الفصل الثاني عشر يبين المخالفات في العد والفرز والجدولة، وهي عملية شابتها الفوضى والعجز عن مقابلة المعايير الموضوعة بشكل كبير.
13 - الفصل الثالث عشر يوضح كيف أن نتائج الانتخابات تطابقت مع قسمة السلطة في اتفاقية السلام وكرستها بل زادت عليها، دون أي مجال للتناوب السلمي على السلطة.
لقد أوضح تحليل نتائج الانتخابات حقيقة أنها عمقت أزمة السلطة في البلاد، وبعد النظر في هذه الحقائق نقول إن من أهم سلبيات الانتخابات المزورة أنها:
1 - مكّنت الحزبين الحاكمين من وضعهما في السلطة بصورة جعلتهما يبالغان في الرضا عن الذات وبالتالي صرف النظر عن أي نقد ذاتي أو استماع لنصح من الآخرين.
2 - اتسعت الفجوة في الشمال بين الحزب الحاكم ومعارضيه، كما أدت لتوهمه بأن ممثلي دارفور الحقيقيين هم الذين أفرزتهم انتخابات نيسان (أبريل) 2010 والآخرون لا مكان لهم.
3 - في الجنوب أدت إلى تمرد الذين ظنوا أنهم خدعوا في الانتخابات واتسعت الفجوة بين الحركة الشعبية ومعارضيها، وفي داخلها بين تيار «السودان الجديد» وتيار «الجنوب للجنوبيين».
4 - ارتفعت حرارة الحرب الباردة بين «المؤتمر الوطني» و «الحركة الشعبية»، واتضح موقف قيادة «الحركة» المنحاز للانفصال، كما لجأت بصورة واضحة للولايات المتحدة وللأمم المتحدة لحماية قراراها المتوقع بانفصال الجنوب.
هذا كله معناه أن الانتخابات الأخيرة لوثت الجسم السياسي السوداني بصورة غير مسبوقة. وفي هذه الحالة سوف توضع مفوضية الاستفتاء في وجه المدفع، وهي مفوضية منقسمة على أساس جهوي، ولا توجد ثقة بين رئيسها وأعضائها ولا ثقة بين رئاستها وفرعها في الجنوب. ومع أن القانون يمنحها سلطات مؤثرة فهي لا تستطيع ممارسة تلك السلطات، لما فيها من مشاكل داخلية. ويتوقع أن يستخدم الحزبان كل الوسائل لتحقيق أهدافهما الحزبية.
تكوين مفوضية الانتخابات كان أفضل والانسجام بين أعضائها كذلك كان أفضل. ومع ذلك حدث ما حدث من شك في استقلالها ومن حرية ونزاهة الانتخابات التي أجرتها.
اتفاقية السلام والدستور ينصان على كيفية تكوين مفوضية الاستفتاء وصلاحياتها. ولكن كان ذلك في ظروف تغيرت تماماً، فالآن وبعد تجربة الانتخابات، يوجد ما يؤكد أن هذه المفوضيات مهما قيل نظرياً عن استقلالها لن تكون مستقلة. كما أن الحزب الحاكم مهما التزم بالنزاهة سوف يكرر في الاستفتاء ما فعله في الانتخابات.
br / الوسطاء الدوليون
أخذنا كثيراً على الوسطاء الدوليين حرصهم على إجراء الانتخابات على أي حال، وفي أذهانهم أن الديموقراطية في عوالمنا فضيلة غائبة. ومهما حاولنا إقناعهم بضرورة الحرص على نزاهة الانتخابات وأهمية ذلك للاستقرار في البلاد، بل وأهميته لنزاهة الاستفتاء كانوا لا يسمعون ولا يتجاوبون. والمدهش بما يرقى للدروشة السياسية أنهم لم يجروا تحليلاً للانتخابات التي حرصوا على إجرائها بأي حالة، ليدركوا كيف لوثت الجسم السياسي السوداني وساهمت في دفع السودان نحو حالة الدولة المستحيلة.
والآن بنفس الدرجة من الدروشة السياسية يقولون إن أهم شيء هو إجراء الاستفتاء في موعده.
الرأي العام الأميركي معبأ لمصادقة الحركة الشعبية ومجافاة المؤتمر الوطني. وما دام المؤتمر الوطني يريد تأجيل الاستفتاء والحركة الشعبية تريد الالتزام بميعاده، فهم يقفون معها. حشدوا اجتماع نيويورك في أيلول (سبتمبر) 2010 ورحلة مجلس الأمن للسودان في تشرين الأول (اكتوبر) 2010 لتأكيد مطلب واحد: الاستفتاء في موعده وضرورة قبول نتائجه.
قلت لممثلي مجلس الأمن ولمندوبي الدول الكبرى عندما اجتمعت بهم:
- الاستفتاء لتقرير المصير التزام سياسي ودستوري لا يجوز إخلافه.
- هنالك مشاكل ينبغي حلها قبل الاستفتاء، لأنها قابلة لإشعال نار الحرب.
- مفوضية بتكوين سوداني سوف تكون متهمة في ذمتها لذلك ينبغي إسناد إدارة الاستفتاء لجهة محايدة.
ولكن لا حياة لمن تنادي، فمثلما أصموا آذانهم عندما تحدثنا عن ضرورة كفالة نزاهة الانتخابات كشرط لإجرائها، يتطلعون لاستفتاء بيد مفوضية مختلف عليها ومن دون أية مراعاة لمشاكل ملتهبة ينبغي الالتفات إليها بأقصى درجة من الاهتمام. فلم يزدهم دعائي إلا فراراً.
«الحركة الشعبية» وطنت نفسها على إجراء الاستفتاء على أي حال وبواسطة المفوضية المشكوك في قدراتها ونزاهتها. والمؤتمر الوطني متهم بعرقلة الاستفتاء، فشهادته في الأمر مجروحة، والأسرة الدولية بقيادة الولايات المتحدة لا تريد أن تقول أو تفعل شيئاً يبدو معارضاً لما تريده الحركة الشعبية.
ولكن أستطيع أن أقول بلا تردد إن استفتاء بواسطة مفوضية مطعون فيها وإجراء استفتاء دون ترتيبات متعلقة بقضايا معينة متفجرة خطوات من سعى لحتفه بظلفه، ولا يجوز السكوت على ذلك، لأنها فتنة لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً.
من مصلحة الشمال والجنوب إجراء استفتاء لتقرير المصير لا يستطيع أحد الطعن في نتائجه، وفي مناخ سياسي مبرأ من بؤر الصدام.
هذان الشرطان ممكن توافرهما بسهولة. هذا ما سوف أتناوله في الفصل الخاص بالاستفتاء. (...).
طوال محادثات السلام التي أدت إلى التوقيع على اتفاقية نيفاشا وما بعدها من إجراءات، كانت الثقة بين طرفي الاتفاقية معدومة تماماً. عدم الثقة بين الطرفين ليس أمراً عارضاً بل ظاهرة راسخة عززتها عوامل مؤثرة أهمها ثلاثة:
- خلفية التراكم الخبيث في العلاقات بين شمال السودان وجنوبه على نحو ما فصلنا سابقاً، فكان كل واحد منهما يرى في الآخر تجسيداً لرصيد الكراهية.
- التباين الأيديولوجي، فالمؤتمر الوطني يدعو إلى توجه حضاري هو عبارة عن أحادية ثقافية إسلامو-عربية، والحركة الشعبية تدعو لسودان جديد هو عبارة عن أحادية ثقافية مضادة علمانو-أفريقية.
- وكان لكل منهما تحالفات سياسية داخلية وخارجية معادية للآخر بصورة سافرة.
لذلك كان حظ ما أَبرم الطرفان من اتفاقيات من حيوية ذاتية معدوماً، وكانت كل الاتفاقيات التي أبرماها للسلام بعنوان اتفاقية السلام الشامل متضمنة لعنصر مبادأة أجنبي، فاتفاقية نيفاشا تمت تحت مظلة مبادئ «إيفاد» ذات المولد القرن أفريقي، واستلهمت التصورات الأميركية، ودخلت فيها روافع الترويكا وأموال شركاء الإيغاد، واتفاقية أبيي في كل مراحلها مؤلفات أجنبية، وكذلك اتفاقية أبوجا في أيار (مايو) 2006، واتفاقية الشرق في تشرين الأول (أكتوبر) 2006 والآليات التي أقامتها الاتفاقيات اشتملت على رعاية أجنبية في مراقبة وقف إطلاق النار في جبال النوبة منذ عام 2003، وفريق حماية المدنيين، وفريق التحري والمتابعة لوقف إطلاق النار في ظل الإيغاد، ومفوضية المتابعة والتقويم لمسيرة اتفاقية السلام، وإلى جانب هذه الأدوار النظرية والعملية للرافع الأجنبي والدولي في كل عمليات إبرام اتفاقيات السلام في السودان ومتابعة تنفيذها، هنالك بعثة أنمس UNMIS بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1590، والقوات الأفريقية ثم الدولية بموجب القرارين 1556، و1769.
فجوة الثقة بين طرفي اتفاقية السلام، لا سيما مع حرص شريكي الحكم على استبعاد أي مساهمة حقيقية للقوى السياسية الأخرى الشريكة في مصير الوطن، أدت إلى إفساح المجال واسعاً لثقافة الاحتكام للأطراف الأجنبية والدولية. ثقافة صار السودان أكثر مدمنيها في عالم اليوم.
عندما أبرمت اتفاقية السلام تفاءل طرفاها أنهما يستطيعان بناء درجة من الثقة بينهما، لذلك قررا تكويناً وطنياً يشتركان فيه لمفوضية الاستفتاء. ولكن فجوة الثقة التي اتسعت بينهما عرقلت كافة الخطوات المتعلقة بالاستفتاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.