قصيدة محمد راعي العودة وولده دباس القصيدة المؤثرة التي عجلت بعودة الولد وأبكت السامعين وأيقظت البر والصلة في النابهين الخيرين. لقد تكررت مناداة محمد لولده دباس في القصيدة أكثر من ستة نداءات. بدايات متكررة في قصيدة واحدة من قلب يحترق توجهت النداءات كالسهام من والد إلى ولده دباس، الذي تغيب في بلاد بعيدة حوالي ثماني سنوات، لم يبعث خلالها رسالة ولم يصل الوالد فيها خبر عنه، وذلك لظروف الحياة السابقة التي يعيش فيها المسافر في عزلة تامة عن أهله وذويه إلا في حالة وجوده في بلاد يكثر فيها رجال مسافرون من أهل بلده حيث ينقلون الرسائل الشفوية والأخبار عن بعضهم. القصيدة التي نبعت من قلب مكلوم وجرح نازف لم يكن هم الوالد سوى سلامة ولده التي يراها ونراها أيضاً هي رأس المال وهي الهدف، فهو يخاف على ولده من كل شيء والموت ليس أحد هذه المخاطر، بل يخاف عليه الزلل والضياع والانزلاق في دروب مشينة والقطيعة ونسيان الأهل. لم يكن يريد من ولده المال ولا كثرة المكاسب بل همه الوحيد أن يعود ولده دباس سليم الاخلاق طيب الطبائع محافظاً لم تتغير عاداته الفاضلة، لأنه خاف عليه من تلك البلد البعيد التي تفصله عن ديار أهله البحار والمسافات التي ليس في الامكان الوصول إليها بسهولة والتي تقدر بمسافة ثلاثة آلاف كيلو متر، إذ إن زمن المسير اليها قدرها في القصيدة بمسيرة سبعين يوماً، فلعله سافر إلى بلاد الهند وما حولها، لأنها بلاد شرقية ذكر جهتها الوالد في قصيدته، هذا في رأي الوالد ولكن الروايات تقول إنه أقرب من ذلك فهو في بلدان الساحل الشرقي للجزيرة العربية. طلب من الله أن يعود دباس في ليل يكون الناس فيه نياماً حتى تكون المفاجأة فرحة للوالد الذي ينتظر طول الليل كالحارس، وحتى ينفرد بالبشارة فلا تتوزع الفرحة هنا وهناك، ولعل ولده قد عاد كما يحب الوالد وفرح به قبل مماته. كما ذكر مكانه وسكن أهله (بلدة العودة) وهي من بلدان سدير في نجد ..بلدة صغيرة المساحة يتمتع سكانها بالأخلاق الفاضلة والمحافظة على الدين والعادات الحسنة والطبائع الخيرة والكرم وهذه الخصال لديهم في المقام الاول والمكانة الرفيعة ولهذا كان حرص محمد راعي العودة على ولده من أجل التمسك بهذه الخصال وخوفاً عليه من تبدلها بسبب السفر يقول للدلالة على بلدة عودة سدير: تنشر من العودة على نور الأنفاس عند الفجر والليل مقفي مريره وربما كانت وجهة سفر دباس بلدة قريبة نوعاً ما كالزبير والعراق أو الكويت ودول الساحل الشرقي وما حولها أو عمان وكلها بلدان ليست بالبعيدة لكن الوالد ظن أن البلد بعيدة جداً خاصة مع صعوبة المواصلات ومخاطر السفر وانقطاع أخبار المسافرين وقلة المعلومات الصحيحة عن المسافات والبلدان بالإضافة إلى توجده وتحسره لفراق ولده دباس، كما يبدو من قصيدة الوالد أن لديه معلومات جغرافية تلقاها بخبرة أو بالسماع عن البلدان حوله والأراضي الشرقية للجزيرة العربية ولكنها معلومات يشوبها التداخل وعدم الدقة. ولنأخذ بعض أبيات القصيدة والتي بلغت أكثر من ستين بيتاً كانت بمثابة نداء ووصية وتحذير ورجاء وتكرار هذا الرجاء بكل حسرة وتحسر وفي الوقت نفسه زفرات من الوجد على ولده، كما أنه ذكر حاجته إلى العشيرة، رغم أنه صاحب عشيرة وقبيلة معروفة قوية رفيعة القدر لكن ربما كان يقصد مساندة ومساعدة الولد له، والفارس معروفة مكانتهم. يقول أبو دباس: يا ونة ونيتها من خوى الراس من لاهب بالكبد مثل السعيره ونين من رجله غدت تقل مقواس يون تالي الليل يشكي الجبيره حتى قال: يا دباس أنا أبا وصيك عن درب الأدناس ترى الذي مثلك يناظر مسيره عليك بالتقوى ترى العز يا دباس في طاعة اللي ما ينجيك غيره هذي ثمان سنين من رحت يا دباس لا رسالة جتني ولا من بريرة يا دباس من عقبك ترى البال محتاس وعليك دمع العين حرَّق نظيره حتى قال: أخاف من حكي العدا هم والأنجاس أهل الحكايا الطايلة والقصيره ويقال خلى عيلته عتر الرأس أقفي وخلى عيلة له صغيره وإلا فانا يا بوك قطاع الأرماس ما نيب مثبور ورجلي كسيره آصلك لو دونك نيا حمر الأطعاس الصلب والصمان ما هي عسيره مهالك مدارك ما بها أوناس إلا الثعل والبوم توحي صفيره حتى قال: تنشر من (العودة) على نور الأنفاس عند الفجر والليل مقفي مريره والعصر بالصمان تسمع لها ضراس حبل الرسن خطر تبتِّر جريره نهار ثالث بين (حما) و(الأوراس) (واره) يمينك جعلها لك سفيره حتى قال: قم انهض العيرات مع كل فراس يا دباس دور خيِّر تستشيره جدك وعمانك على العزم والباس أهل المواجب مكملين القصيره يا دباس ما يصبر على البق والحاس إلا الذي ما له بنجد عشيره واليوم يا مروي شبا كل عباس أنت الرجا ياكعام وجه المغيره حتى قال: يا دباس قلبي كل ما هب نسناس شرقية هبت بقلبي سعيره والحال يا فرز الوغي مسها الباس عليك يا ناطح وجيه المغيره وغصون قلبي يا فتي الجود يبَّاس غاد أنا يا أبوك كني هشيره