المثقفُ لا سيما من له باع في علوم الفرق والمذاهب والتيارات الفكرية، لابد أن يتبادر لذهنه من الوهْلة الأولى، الهدف من عنوان هذا المقال؟ والدواعي من أجله؟ ذات مرة وأنا أستمع لبرنامج في إذاعة الرياض، يتناول فيه المقدم مع ضيفه موضوعاً ذات صلة بالعقيدة، وذكر (ابن عربي) يريد به (ابن العربي ) (أل التعريف) هنا لها دور كبير في رفع اللّبس وإجلاء الحقيقة بين الرجلين، وقد لفت انتباهي ذلك الخلط بين الرجلين المشهورين في أكثر من موقف، رغم وجود الفارق بينهما، هذان الرجلان لهما دورهما الفاعل(مع الفارق) في حقْبتيهما التاريخية، التي كانت تموج اضطراباً فكرياً وسياسياً، في ذاك الزمن كانت الفِرق الفكرية حاضرة، تجد لها أحياناً دعماً سياسياً، مما هيأ لها فرصة البروز على السطح ، القرن السادس الهجري بالذات، مشحون بالاضطرابات السياسية غير الخافية، مما هيأ الفرصة لعدد من الفرق والطوائف كان من أشهرها (الصوفية) وانتشار طرقها، في شتى بقاع العالم الإسلامي، وأكثر ما كان توأماً لها في ذلك العصر، الشيعة الإثنا عشرية، وخاصة غلاة الشيعة من الباطنية، الذين انبثقت منهم طوائف الإسماعيلية والدروز والنصيرية، رغم ما واجه أفكارها ومعتقداتها ورجالاتها، من إنكار العلماء، في تلك القرون التي كانت هذه الفرق تسرح وتمرح فيها، وكان من أبرز العلماء إنكاراً ورداً على أصحابها، أبو الوفاء ابن عقيل البغدادي صاحب كتاب (الفنون) وتلميذه ابن الجوزي صاحب كتاب (تلبيس ابليس) وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وابن رجب وابن مفلح، المعروفان، وابن العربي المالكي، المشار إليه في عنوان هذا المقال، صاحب كتاب (العواصم من القواصم) وغيرهم كثير، ليس من هدف هذه المقالة، التوسع في موضوع الفِرق أو تناولها عقدياً وفكرياً، ولا تناول زمنها السياسي والديني والاجتماعي، بقدر ما هو فقط التركيز على نقطة هي من الأهمية بمكان، تتمحور حول ضرورة التفريق بين الرجلين العلَمين في تاريخنا الإسلامي (ابن العربي المالكي) العالم المسلم، صاحب الجهود المتنوعة في أحكام الشريعة، وبين (ابن عربي) الصوفي الملحد، لرفع اللبس حولهما عند المثقف العربي، فابن العربي (بأل التعريف) هو أبو بكر، القاضي محمد بن عبدالله بن محمد المعافري، ابن العربي إمام من أئمة المالكية، فقيه، محدث ، مفسر، ولد سنة468ه وتوفي 543ه ، أخذ العلم من علماء الأندلس، منهم أبو بكر الطرطوشي، وأخذ عنه العلم عدد لا يكاد يحصى، منهم القاضي عياض اليحصبي، صنّف في الحديث والفقه والأُصول وعلوم القرآن والأدب والنحو والتاريخ والعقيدة، من أشهر مؤلفاته، عارضة الأحوذي في شرح الترمذي، وأحكام القرآن، والعواصم من القواصم ، توفي بمراكش ودفن بفاس، إذن (ابن العربي) عالم شهير من علماء الإسلام الذين يشار إليهم بالبنان، لجهوده في خدمته من خلال التفسير وكتب العقائد التي أبانت حربه على أهل البدع في زمانه وخاصة كتابه ( العواصم من القواصم) أما (ابن عربي) الآخر بدون(أل التعريف) هو أبو بكر محيي الدين محمد بن علي ابن عربي الطائي الصوفي المولود عام560ه والمتوفى عام638ه، أثرى القاموس الصوفي بأفكاره المشوشة، تأثر بأفكار الحلاج الصوفي، مقطوع الأيدي والأرجل من خلاف، والذي قتل ثم صلب عام309ه، ألّف ابن عربي كتباً، حمّلها عقيدته الصوفية القائلة بوحدة الوجود والحلول، منها كتابه (فصوص الحكم ) وكتابه (الفتوحات المكية) وغيرها كثير، تعتمد عبارات مؤلفاته على الرمزية والغموض، لرغبته في إخفاء مقاصده وإغراقه في استخدام الرموز الصوفية، توفي مقتولاً في دمشق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عنه "إِنَّ ابْنَ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالَهُ - كابن الفارض وابن سبعين - وَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مَنَّ الصُّوفِيَّةِ فَهُمْ مِنْ صُوفِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ الْفَلَاسِفَةِ لَيْسُوا مِنْ صُوفِيَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ" هذه الفروقات بين ابن العربي المالكي ، وابن عربي الصوفي ، كفيلة بعدم الخلط بين الاثنين ، فبين الرجلين فرق واضح ، فابن عربي بدون (أل التعريف) صوفي ملحد، له أفكار منحرفة، وللعلماء فيه على مختلف العصور، قول فصل، أما ابن العربي (بأل التعريف) فهو إمام جليل من أئمة الإسلام، مشهور بالاستقامة والعلم والتقوى، فقط (قوقل) لم يترك شاردة ولا واردة، إلا تناولها بالتفصيل وأشار إليها ، فما أحرى من يكون لديه ثمة لبس أن يبحث في فلكه الموسوعي ، ليعثر على ضالته بيسر وسهوله، ويؤمّن جانبه من الوقوع في الحرج...ودمتم بخير.