اطلعت على ما كتبه الكاتب محمد علي المحمود في يوم الخميس الموافق 4/4/1426ه العدد 13471 في صفحة حروف وأفكار بعنوان (نحن .. والإنسان) ولي تعليق على بعض ما ذكره الكاتب وأرجو أن يتسع صدره لتقبل هذه الملحوظات: 1 - ذكر الكاتب أمثلة على عدم اعطاء المسلمين والعرب قيمة الإنسان (بافتخارنا بالفتوحات والحنين إلى الغزو والتغني باجهاض العقلانية الناهضة ونبكي على عهد الرقيق والجواري والقيان ونشرعن استرقاق الإنسان بلا حياء وبلا عقل أيضاً). فأقول: لا توجد أمة من الأمم لا قديماً ولا حديثاً لا تفتخر بفتوحاتها ولا تحن إلى الغزو إذا كان دفاعاً عن الظلم ونشراً للعدل، أما التغني باجهاض العقلانية الناهضة، فأولاً لا بد أن نعرف أن المقصود بالعقلانية الناهضة فإذا كان المقصود بها العقلانية التي تقود إلى الحيرة والاضطراب فلا مانع من التغني لا أقول باجهاضها وإنما بالحد منها، وإذا كان المقصد بها العقلانية النافعة فبلا شك أن المجهض لها هو العدو الحقيقي للإنسان، أما التباكي على الرقيق والجواري فليس من همة المسلمين الغيورين على دينهم إنما هي من همة الشهوانيين أما الشرعنة للرق فغير موجود عند المسلمين ابتداء كما هو عند بعض غير المسلمين، فبعض غير المسلمين الرق عندهم غير محصور بالغزو فقط بل يحصل أيضاً عن طريق الخطف واستغلال حاجة الفقراء، أما عند المسلمين فلا يحصل بلا غزو للكافرين المعتدين، فالرق يأتي تبعاً للغزو وبغير هذه الطريقة لا يكون رقاً ومعلوم أن في حال الانتصار في الغزو يُسلب من الكافر المعتدي المحارب كل ما معه فلا يبقى معه شيء يملكه وأمام المسلمين له الخيار في الأسارى، أما أن يمن عليهم باطلاق سراحهم بلا مقابل أو أن يفتدوا أنفسهم بمقابل أو يقتنون أو يسترقون. فالرق ليس الخيار الوحيد أمام المسلمين، كما أن المسلم مطالب بالإحسان إلى الرقيق بأن يطعمه مما يطعم ويلبسه مما يلبس ولا يكلفه ما لا يطيق كما ورد ذلك في الأثر عن الرسول عليه الصلاة والسلام كما أن الإسلام شجع على تحرير الرقيق وجعله من القربات، قال تعالى: {فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة....} كما أن كثيراً من العقوبات الشرعية تتضمن تحرير الرقبة. وكنت أتمنى من الكاتب أن يوضح للقارئ هذه الأمور حتى لا يلتبس على الناس مفهوم الجهاد الحقيقي والرق في الإسلام. ذكر الكاتب أن الأمة الإسلامية تسير خلف الاشعري والغزالي وابن تيمية: بأسلوب يفهم منه التضجر من سير الأمة الإسلامية على خطى هؤلاء، وذلك نظراً لأن الإنسان (كما يعتقد الكاتب) لم يكن حاضراً بصورة كافية في مؤلفاتهم (كما يتضح من سياق مقاله) والحقيقة أن الكاتب لم يكن موفقاً في أسلوبه المتضجر من هؤلاء العلماء خصوصاً مع الإمام ابن تيمية رحمه الله، وذلك لأن من يقرأ سيرة ابن تيمية بانصاف لا يملك إلا أن يُقر بعظمة إنسانية هذا الرجل وذلك لأنه ساهم مساهمة فعّالة في حماية العقل الإنساني المسلم بخاصة والإنسانية بعامة من الانحراف لكونه عاش في زمن كان فيه كثير من العقائد والأفكار الضارة بالإنسان مع الخرافات العقدية أو الفلسفات المنطقية التي توصل الإنسان في نهاية المطاف إلى الدروشة أو الحيرة والاضطراب والتذبذب، ولعل السبب الذي حدا بالكاتب إلى هذه النظرة المتضجرة لابن تيمية أنه رأى مؤلفات ابن تيمية مليئة بالردود والمجادلات مع الخرافيين ومن يسمون بالعقلانيين، وفهم منها أنها مؤلفات تؤسس للإقصاء والإلغاء والنفي للآخر، وهذا في الحقيقة فهم خاطئ لثلاثة أسباب: الأول لأنه كما ذكرت آنفاً أن ابن تيمية رحمه الله عاش في زمن كانت السيطرة السياسية والعقائدية لمن يسمون بالعقلانيين، كما أن العقائد الأخرى المخالفة للقرآن الكريم لها صولتها وجولتها، هذا الجو جعل ابن تيمية ينبري لكشف الانحرافات حماية للإنسان وذلك من خلال مولفاته ومواقفه العملية فموقفه كان موق المحذر من هذه العقائد المنحرفة بالدليل من الكتاب والسنّة وفهم الصحابة والعقل ولم يقم يوماً من الأيام بتأليب الناس على حكامهم أو على رؤوس أصحاب العقائد المنحرفة إنما خصومه هم الذين قاموا بإقصائه وإلغائه وسجنه حتى مات رحمه الله في السجن. الثاني: إن ابن تيمية لم يأت بجديد إنما ساهم في إعادة الناس إلى المنبع الصافي القرآن والسنّة بعيداً عن التأويلات المتكلفة والقياسات الفاسدة، فلم يخالف نصاً صريحاً من كتاب الله وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام ومعلوم أن الكتاب والسنّة لم يأتيا إلا من أجل الإنسان بل والحيوان والجن أيضاً، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، والعالم هو ما سوى الله. فكيف إذاً يتضجر من ابن تيمية حامل الارث النبوي الصافي والمدافع عنه!!، الثالث: عندما يبطل العلامة ابن تيمية رحمه الله مقولات أصحاب العقائد المنحرفة لا يعني ذلك نفيهم وإلغائهم إنما المقصد هو محاولة الحد من انحرافاتهم لحماية الإنسان منها ففرق بين (النفي والإلغاء)، و(الحد والتقليل) من الشيء، فابن تيمية لم يغب عن باله تفسير الله الكوني للانحراف بأنواعه بدءاً بالصغائر وانتهاء بالكفر، كما قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب للذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} وقوله: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} بمعنى أن ابن تيمية يعلم أنه مهما انكر على الغير انحرافه فلن يلغيه أو ينفيه لأنه يعرف أن الانحراف مقدر كوناً، ومن ينظر إلى العالم بشكل عام يلحظ أن صاحب كل مبدأ ينافح من أجل إظهار مبادئه والحد ممن يخالفها حتى ممن يدعون الديمقراطية، وأيضاً كما يظهر في مقالات الكاتب. فإذا كان هذا مستساغاً ومعروفاً لدى جميع الأمم الأخرى فلماذا لا يستسيغ الكاتب هذه الطريقة من ابن تيمية، كما أن هذه هي طريقة الرسل عليهم الصلاة والسلام فلم يكتف الرسل بالأمر بالمعروف فقط بل جعلوا النهي عن المنكر عضيداً لها لنشر الدين. كثيراً ما يشن الكاتب هجوماً شرساً على الكاسيت الإسلامي بدون تمييز ويضع الشريط الإسلامي كله في سلة واحدة، وهذه الطريقة في النقد يتفق الجميع على أنها بعيدة عن الموضوعية والعدل وكان الأولى بالكاتب أن يبين ما الجيد وما الرديء في الشريط الإسلامي: نعم يوجد من الشريط الإسلامي ما هو رديء سواء في أسلوبه أو موضوعه ولكن نسبته في الشريط الإسلامي قليلة جداً.