لا يستطيع الإنسان مهما بلغ عمره أو وعيه الاستغناء عن الآخرين، سواء من أجل تبادل المصالح المشتركة أم من أجل الحب المطلق في الله، ومن أسمى هذه العلاقات «الصداقة» التي يُبنى سمو تعاملها عبر الأيام والسنوات بالاحترام والوفاء. إن الصداقة شيء كبير، ومعنى قوي، لا يعرفها ولا يُحسن تقديرها إلاّ القليل، من خلال الإلتفات حول الصاحب ومعاشرته على «الحلوة» والمُرة»، كما أنها تعني الوقوف جنباً إلى جنب مع «الرفيق» وهو في أسوأ ظروفه، سواء معنوياً أو مادياً، إلاّ أن ما نشاهده في الوقت الحالي من علاقات شوّهت معنى الصداقة الحقيقي، فهناك من يستغل ارتباطه بشخص معين لمصلحة شخصية، وما أن تنتهي ينتهي كل شيء، لا سلام، ولا اتصال، ولا حتى تهنئة بأي مناسبة!، وهو ما يعكس سوء نوايا بعض الأفراد، وتمثيلهم لأدواء المصلحة على أكمل وجه!. وللصداقة شروط أهمها التوافق الفكري والنفسي والاحترام المتبادل، وكذلك تشابه الميول الإتجاهات، إضافةً إلى تقارب العمر، خاصةً إذا كانت ثنائية، وربما كان للأخلاق الحسنة «مفعول السحر» في الحفاظ على الصداقة الحقيقية البعيدة عن المصالح الشخصية، التي تسمو عن السلوكيات الخاطئة مثل الغيبة والانشغال بعيوب وخصوصيات الآخرين. لا يوجد صداقة وقال «بندر الناصر»: إننا في زمن لا توجد فيه صداقة، وإنما مصالح متبادلة، بمجرد أن تنتهي المصلحة تنتهي العلاقة، مضيفاً أن هذا ليس تشاؤماً أو سوداوية أو سوء ظن بالناس، وإنما هو الواقع المر -على حد تعبيره-، مشيراً إلى أن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فرضت علينا نوعية معينة من العلاقات لم تكن في زمن أجدادنا ، مبيناً أن العلاقة بين الزوجين التي تُعد أنبل وأقوى أنواع العلاقات وقعت تحت وطأة المصالح والمنافع، ذاكراً أنه لا يملك في حياته أي نوع من الصداقات التي تعني العلاقات المتينة العميقة، وأن علاقاته كلها لا تتعدى الرسمية والسطحية، وأن هذا الأمر يسعده ويريح رأسه، بل ويجنبه الصدمات التي من الممكن أن تسببها العلاقات القويّة. اعتزاز وفخر وخالفه الرأي «غنام الغنام»، مؤكداً على أنه لا طعم للحياة بدون صداقات متينة، تتيح له فرصة البوح عن ما في نفسه، بل ومشاركة الصديق في ضحكه وحزنه، مضيفاً أنه لا يستطيع أن يبتعد عن لقاء أصدقائه لأكثر من أسبوع وأنه يعتز بعلاقته بهم، لافتاً إلى أن أصدقاءه لا يختلفون عن علاقته بأشقائه، وإن خالج هذه العلاقة بعض المصالح المتبادلة التي يعتبرها جزءًا لا يتجزأ من أي علاقة، دون المساس بالود الصادق بين الأطراف المعنيّة. وأضاف: لا أرى أي إشكالية في تبادل الخدمات، فالناس من وجهة نظره مسخرة لبعضها البعض، مشدداً على أهمية أن لا نقف عند هذا الأمر كثيراً، متسائلاً: ما المانع من المصالح المشتركة؟. مشورة وتقارب وتحدثت «أروى الغامدي» قائلةً: إن صداقة الرجال أقوى من صداقة النساء؛ لأن المرأة من وجهة نظرها تنشغل بزوجها وأولادها، وتنسى أحياناً حياتها الخاصة وصديقاتها، مضيفةً أنه لابد من وجود خطوط حمراء في أي صداقة كانت سواء بين الرجال أو النساء في سبيل تجنب الخلافات، مبينةً أنها توصلت لهذه النظرية بعد أن فقدت ثقتها بصديقة كانت مقرّبة منها ثم تعلمت بعدها وضع الحدود الشخصية. وأوضح «محمد الزميع» أن صداقة النساء لا تختلف عن صداقة الرجال من حيث قوتها ومتانتها، لاسيما إذا استوفت شروطاً معينة تفرضها الصداقة الحقيقة، أهمها المشورة وتقارب طبيعة الأصدقاء، مشدداً على ضرورة وضع حدود في العلاقة، مستشهداً بالدين الإسلامي الذي وضع حدوداً لكل شيء. ووصفت «وفاء السبيعي» الصداقة أنها شيء رائع لا يحكمه سوى الاحترام المتبادل والأخلاق السويّة، معتقدةً أن أكبر دليل على سلامة الصداقة بين أي صديقين سواء من النساء أو الرجال هو عدم التأثر بظروف الحياة والانشغال في متطلبات العيش، بحيث يبقى الصديق هو الملاذ الآمن بعد الله في وقت الضيق، مؤكدةً على أن بعض الصداقات تتعدى علاقة الأخوة. نماذج مبهرة وذكرت الأستاذة «مي عبدالله» أن الصداقة علاقة تعود إلى شخصية الإنسان وسمو روحه سواء كان رجلاً أو امرأة، وتخضع لمعايير الفرد الشخصية، مضيفةً أنه لا يوجد في الصداقة أي خطوط حمراء على الإطلاق بل على العكس؛ لأنها من وجهة نظرها تكبر وتقوى بمرور الأيام، وينميها الحب المتبادل بين الطرفين، لذلك كان جزاء المتحابين في الله أن يظلهم الله يوم لا ظل إلاّ ظله سبحانه. وقلت إن التاريخ الإسلامي يحفل بنماذج مبهرة للصداقة، منها على الإطلاق صداقة النبي عليه الصلاة والسلام ب»أبي بكر الصديق» -رضي الله عنه-، مضيفةً أنها تحظى بعدد كبير من الصديقات اللاتي تعتبرهن بمثابة الشقيقات، على الرغم أنها تعرضت لموقف مؤلم من إحداهن، واكتشفت بعد سنوات أن تلك الصداقة لم تكن سوى علاقة مزعومة، حامدةً الله أن عصمها من تلك الصديقة، مشددةً على أهمية دور الوالدين في توعية أبنائهم عن مفهوم الصداقة، ومعايير اختيار الصديق وكيفية الوثوق به. وأكدت «فاطمة السبعان» على أن صداقة النساء أقوى من صداقة الرجال؛ لأن الرجال من وجهة نظرها مسؤولياتهم تلهيهم عن التواصل مع بعضهم بشكل دائم أو مستمر، ويعتبرونها من العلاقات الأقل أهمية، موضحةً أن علاقة صديقات الطفولة تدوم أكثر من غيرها. تواصل مستمر وقالت «علوة الأسمري» إن الصداقة الحقيقية لا دخل لها بالنساء أو الرجال، وأنها تحتاج فقط إلى العطاء والصبر والدعم في الأوقات الصعبة، وأن هذه قدرات يمتلكها الجميع بنسب متفاوتة والعبرة الحقيقية وقت التنفيذ، مضيفةً أن حولها نماذج ناجحة بين النساء لصداقات حقيقية امتدت أعواماً ومازالت، عمادها الأساسي الاحترام المتبادل، موضحةً أن تلك العلاقة المحترمة لابد وأن تتعرض أحياناً -مثل أي علاقة في الحياة- لمواقف قاسية تختبر مدى تمسك الطرفين ببعضهما، وأن ذلك يقويها ويجدد روحها، حيث ينهض الود بعد كل مطب بترابط وحبّ أكبر. ورأت «وفاء الشهراني» أن الصداقة بين النساء أقوى لأنهن من وجهة نظرها أكثر وفاءً من الرجال، مضيفةً أن الحدود والضوابط بين الأصدقاء يعتمد على درجة الصداقة، معتزةً باستمرار علاقتها ببعض السيدات اللاتي تعرفهن من الصف الأول الابتدائي وحتى الآن، ذاكرةً أنها ثلاثون عاماً من التواصل المستمر. توافق فكري وذكرت «هند العرفج» -مستشارة أسرية وأخصائية نفسية- أن الإسراف في امتداد عمق العلاقة يؤدي إلى فسادها، لأن البشر مهما اتفقوا لابد وأن يختلفوا، لاسيما وأن الإنسان عنصر متغير تختلف كل فترة مزاجيته وربما سلوكياته ومعتقداته أيضاً، مضيفةً أن وضع الحدود يُعد في صالح الطرفين، مبينةً أن للصداقة شروط أهمها التوافق الفكري والنفسي والاحترام المتبادل، وكذلك تشابه الميول الإتجاهات، إضافةً إلى تقارب العمر، وأن هذا ما يجعل العلاقة قويّة متينة، خاصةً إذا كانت ثنائية، مؤكدةً على أن اتساع دائرة العلاقات يؤدي إلى مساحة أكبر للاختلاف، لافتةً إلى أن الغيرة البشرية قد تلعب دور المخرب الأول والمفسد الأقوى بين العلاقات مهما بلغت قوتها. وأضافت أنه لا سبيل لتجنب هذه المشكلة سوى وضع الحدود، التي أقصد بها الخصوصيات الشخصية والتفاصيل اليومية، ذاكرةً أنه كم من صداقة أفسدها كشف التفاصيل، مشيرةً إلى أن الأخلاقيات السويّة لها مفعول السحر في الحفاظ على الصداقة الحقيقية البعيدة عن المصالح الشخصية، التي تسمو عن السلوكيات الخاطئة مثل الغيبة والنميمة والانشغال بعيوب وخصوصيات الآخرين. وقوف الصديق بجوار صاحبه يُخفف عليه الضغوط طفلان يتطلعان لأن تستمر صداقتهما للأبد