في محل لبيع الأدوات والأجهزة الطبية، فاجأني البائع وأنا أهمّ بشراء جهاز تبخير ذلك الذي يُستخدم عادة لأمراض الجهاز التنفسي بطلب الاسم كاملا ورقم الهوية الوطنية ورقم الهاتف الجوال (؟). في بادىء الأمر ظننته يمزح خاصة وأنني لم أطلب دواء محظور التداول إلا في أضيق نطاق أو مادة ممنوعة، لكن الرجل بدا لي في منتهى الجدية، وهو يضع أصابعه على لوحة مفاتيح الكمبيوتر كما لو كان يستعجلني ليدون المعلومات المطلوبة على جهازه، عندئذ توقعتُ أن الأمر يتصل بتنظيم اخترعه صاحب المتجر ليس إلا، ولكن أيضا ماذا يعنيه من كل هذه المعلومات التي لا تطلب عادة إلا في المقار الأمنية أو البنكية، على اعتبار أن ما يهمه ويعنيه هو أن يقبض ثمن بضاعته بالتمام والكمال بصرف النظر عمّن هو المشتري ! .. سألته لماذا ؟، قال : هذه تعليمات هيئة الدواء والغذاء !!، قلت : (لا .. هذي يبي لها قعده) فسحبت الكرسي المجاور لطاولته وجلست، وقلت له : اسمع .. أنا سأعطيك كل المعلومات التي طلبتها، وفوقها عنوان سكني وعملي وطولي ووزني وكل ما تريد بشرط أن توضح لي سبب طلب كل هذه المعلومات مقابل شراء جهاز طبي عادي ؟ فتح درج مكتبه وناولني تعميم هيئة الدواء الذي تطالب فيه الهيئة شركات الأجهزة الطبية بتدوين تلك المعلومات على الفاتورة، وخطاب صاحب المتجر الذي يهدد عماله بحسم خمسين ريالا من مرتباتهم مقابل كل فاتورة بيع لا تتضمن تلك المطالب !، وقال وهو يرفع حاجبيه : والله لا أدري . عموما .. عدم عثوري أنا وإياه على الحكمة من هذا الإجراء لا يعني عدم وجودها، لابد أن لدى هيئة الدواء والغذاء ما يبرر هذا التصرف الذي قال لي البائع : إنه كثيرا ما يوقعه في الحرج مع بعض الزبائن الذين ينهرونه قائلين: (هذا متجر وإلا مخفر شرطة ؟)، وهذا ما يجعلنا في مواجهة سؤال موجه إلى الهيئة التي تغض الطرف تماما عما يجري في الصيدليات جهة بيع المضادات الحيوية، وعديد الأدوية الخطرة دون وصفة طبية، وحتى دون السؤال عن سن من سيستخدمها وما إذا كانت الجرعة تلائمه أم لا؟، وكأن المرء يشتري (علكة أو لوح شوكولاته)، حتى أصبحت تجارة الصيدليات نسبة لانتشارها المفزع، وبما يفوق عدد البقالات واحدة من أهم مجالات التنافس التجاري وجني الأرباح، وإلا لما أقدمت كل هذه الحشود على هذه التجارة تحديدا، وتحول كل الصيادلة إلى أطباء (وجبات سريعة) أو أطباء على الواقف كما يقولون، بحيث يقف المريض على الكاونتر، ويشكو حالته للصيدلاني (بلا كشف بلا غم بلا طوابير) ليملأ له كيس الثعبان والدورق بأحدث ما أنتجته مصانع الأدوية و(ألف سلامه) ! . لماذا تغيب حكمة هيئة الدواء والغذاء هنا، وأمام هذا الخطر الداهم الذي قد يسببه دواء لا يؤخذ في موضعه الصحيح، وتحضر في مكان لا أحد يتوقع حضورها فيه ؟ ولماذا تسمح للصيادلة بأن يتحولوا إلى أطباء (مستعجلة) ؟ هذا ما نريد كمواطنين ليس لنا من الأمر شيء .. أن نعرفه من الهيئة الموقرة ..