ربما كانت حادثة جهيمان العتيبي في الحرم المكي فجر غرّة محرّم سنة 1400 ه الموافق 20 نوفمبر 1979، قبل 34 عاماً مضت، من أكثر المنعطفات التي شكّلت الفكر الديني والسلوكيات الدينية في المجتمع السعودي. تعود هذه الذكرى المشؤومة من تاريخ التطرف في البلاد والجلبة حول الجزئيات وهي لا تزال ماثلة أمامنا. الحديث عن حكم الاستماع إلى أم كلثوم أو إلى أغاني فيروز الجميلة أو إلى أغاني طلال مداح ومحمد عبده لا يزال قائماً. لم تعد الفكرة رأيا فقهياً يطرح ضمن آراء، بل بات قضية أشبه بقضايا: نكون أو لا نكون! بل ويطول الجدل حول سماع أغانٍ هي من البراءة بمكان، خذ مثلاً أغنية فيروز في مكة والتي كتب كلماتها "سعيد عقل" والتي جاء فيها: غنيت مكة أهلها الصيدا والعيد يملأ أضلعي عيدا يا قارئ لقرآن صل له، أهلي هناك وطيب البيدا مَنْ راكع ويداه آنستا أن ليس يبقى الباب موصودا أنا أينما صلى الأنام رأت عيني السماء تفتحت جودا لو رملة هتفت بمبدعها شجوا لكنت لشجوها عودا! تلك الكلمات التي غنّتها فيروز "المسيحية"، لأبيات الشاعر الكبير سعيد عقل "المسيحي" هو الآخر، أصبحت ممنوعة من عرضها في التلفزيون الرسمي الحكومي بعد حادثة جهيمان، مع أنها أغنية تعبر عن حوار الأديان والتسامح الذي هو مشروع الملك عبدالله، وقل مثل ذلك عن أغانٍ بريئة لطلال مداح ومحمد عبده عن الوطن ومناطق المملكة وثقافاتها. لا أدري من هو أول من قال:"قتلنا جهيمان واتبعنا نهجه"، لكن الواقع أن ما حدث تمثل في إنهاء الفتنة عسكرياً، وإخراج الجهيمانيين من الحرم، وتبني الكثير من أفكاره، في مزايدة على التشدد. نستعيد تلك الحادثة في ذكراها التعيسة لندرك كم نحن مشغولون حتى الآن بأسئلة جهيمان ولم ندخل إلى أسئلةٍ أكثر إلحاحاً. فكلنا تابعنا نفي نائب وزير التربية والتعليم الدكتور حمد آل الشيخ وجود تعليمات ب«منع» استخدام الموسيقى والأغاني الوطنية وتنظيم الأوبريتات الغنائية والألوان الشعبية في المدارس، وتأكيده على أهميتها في غرس القيم والثقافة وتعزيز الانتماء الوطني لدى الطلاب! ألم أقل لكم اننا لا زلنا نحاول الإجابة بخجل على أسئلة جهيمان بدلاً من أن نجيب على أسئلة فلسفة التعليم والأنظمة التي تسيّر الإدارة التعليمية وهيكلة المناهج! بآخر السطر، فإن جهيمان يلقي بظلاله كثيراً على السلوكيات والنقاشات وهذا يدل على أننا لم نتصالح مع الفنون والموسيقى بعد وهي الأمور التي كان أجدادنا متصالحون معها قبل 1979 وهذا عجب عجاب!