بكلّ وقاحة العدوان الصهيوني الأخير على غزة وبشاعته، فإنّه يعيد الحقائق الفلسطينية إلى أصولها وجوهرها. فليس من الطبيعي ان تُغرقنا التفاصيل المأساوية للعدوان الجديد على الشعب الفلسطيني عن رؤية الأولويات التي ينبغي أن تتصدّر العناية والاهتمام العربي والفلسطيني. لا بديل عن بناء الحالة الشعبية الفلسطينية الموحدة المفعمة بروح الإرادة، والمقاومة دائما، أما عكس ذلك فهو ما رأينا بوادره السوداء المهلكة، خلال سنوات الانقسام الفلسطيني فقد أصبح الحديث عن وحدة الشعب الفلسطيني أملاً بعيد المنال وحلماً، كلما تراخى الزمن على حالة الانقسام، زاد الحلم ابتعادا، ولا نقول بوحدة القوى السياسية فقط، ولكنْ، هنالك عملياً انقسام على الأرض وهنالك تشرذم، وهو ما سعت له الصهيونية كهدف لضمان تكريس احتلالها لفلسطين، ومع ذلك فإن من الضروري تذكّر هذه القاعدة الأساسية: بأن الفرقة هي سلاح في يد العدو والوحدة هي الضمانة الوحيدة لبقاء القضية حية. ولا بُدَّ أن نتذكر أن أبرز أسباب ضياع فلسطين كان الخلافات الداخلية التي خدمت ضمناً الأطماع الاستعمارية والتآمر الخارجي لاغتصاب فلسطين، وبالتأكيد فإن الضغوط الضخمة والهائلة كانت أكبر من حجم المنطقة وفوق طاقة احتمالها، لكن فلسطين كانت شأنا آخر لأن لب المشروع الاستعماري كان اغتصاب كامل فلسطين على مراحل، والأهم تشريد الشعب الفلسطيني وتحطيمه وتمزيقه وسحق إرادته لأن هدف إلغاء الشعب الفلسطيني عبر استسلامه وتشرذمه كان هو وحده الذي يحقق الحلم الصهيوني بالاستيلاء على أرض ادعوا انها بلا شعب حي قادر على الدفاع عنها، وإنما هم بدو رحّل من العابرين على هذه الأرض. من هنا تكرارنا للتأكيد بأن وحدة الشعب الفلسطيني وتماسكه وإرادته الإنسانية الحرة في الحياة هي ضمانة المصير الفلسطيني، ولا ينبغي ان لا نستذكر الدروس ونستخلص العبر، فقد كانت الفتنة والاحتراب الداخلي بين الزعامات والأحزاب الفلسطينية التي انفجرت في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي إحدى المقدمات لضياع فلسطين في نهاية الأربعينيات. للإنصاف نقول إن القوى والأحزاب الفلسطينية بعد ضياع كل فلسطين في العام 1967، قد وعت الدروس واستخلصت العبرة فرغم كل التباينات الفكرية والصراع على الأدوار فقد تجنبت القيادات الفلسطينية الاحتراب وسفك الشقيق لدم شقيقه وفي كل مرة كانت تقع حوادث فردية أو مواجهات محدودة كان يتم تطويقها على الساحات التي كانت تتواجد فيها التنظيمات والقوى والفصائل الفلسطينية، أما في الداخل وتحت كابوس الاحتلال فقد كان الشعب الفلسطيني موحداً وعلى قلب رجل واحد ورغم وجود خلافات سياسية وغير ذلك فإن المقاومة السلمية للاحتلال ورفض الاستسلام عبر الوحدة الوطنية عمقا استمرار الصراع في مجراه الطبيعي ضد العدو الصهيوني الغاصب. ونكرر القول بأن ما يجري اليوم هو أخطر ما تتعرض له القضية الفلسطينية في العمق، ونقصد بشكل خاص ما هو أبعد من الانقسام السياسي إلى الانقسام الشعبي وتعميقه بين تيارين، بل يكاد يكون هنالك خطر يهدد انقسام الضمير الفلسطيني بين أتباع حكومتي رام اللهوغزة على قاعدة الانقسام على الأرض.. الخ. وجماع القول هو ان ما نقوله معروف لكل الناس ومُدرَك ومؤكَّد فلا بديل عن بناء الحالة الشعبية الفلسطينية الموحدة المفعمة بروح الإرادة، والمقاومة دائما، أما عكس ذلك فهو ما رأينا بوادره السوداء المهلكة، خلال سنوات الانقسام الفلسطيني، ولا يبقى إلا أن نراهن على الوعي والإرادة الفلسطينية التي أثبتت عبر كل العقود المتوالية انها أقوى من المحن وأكبر من المؤامرات.