تحولت بعض المناسبات والأعراس من بناء بيت سعيد، وقفص ذهبي يجمع عصفورين يغردان حباً، إلى مظاهر كذّابة، وبذخ، وسعادة مصطنعة، وعريس قاب قوسين أو أدنى من أن يُرمى في قفص "أبو زعبل"؛ بعد أن "كلبشته" ديون تكاليف زواجه وحياته التي يفترض أن تكون بداية عمر جديد سعيد!، حيث يدفع الرجل فاتورةً باهظة إذا ما سلّم الأمر و"ترك الحبل على الغارب"، وسمح للأمر أن يزيد عن حده، فربما يتطور إلى أمور لا تحمد عقباها، فالطفرة التي جاءت لنا على حين غرة ونحن لم نملك بعد الثقافة والوعي للتعامل معها قلبت حياتنا رأساً على عقب، وأفسدت الكثير من عاداتنا الاجتماعية، وطريقة تعاملنا وإدارة مناسباتنا، خاصةً الزواج الذي تحول إلى "فشخرة"، و"تقليد أعمى"، وديون، قد يكون فيها "خراب بيوت" لكل من تكون له علاقة بالزواج، فيفترض أن يعي كل من الزوجين أنّهما شركاء حياة يجب أن يكون عمودها المودة والتآلف، وأساسها الحب الذي تتضاءل أمامه كل الأشياء، وكل المطالب غير المنطقية، خصوصاً تلك التي تكون من باب "كيفي" و"هذا يريحني" و"خل الناس يشوفون"!. بساطة العادات القديمة وقالت "أم هديل": "رحم الله زمان أول؛ عندما كانت عاداتنا الاجتماعية تتميز بالبساطة والبعد عن التكلف، ولم نكن نعرف ما نراه اليوم في مناسباتنا الاجتماعية، من (فشخرة) وبذخ لا مبرر له، فقد كانت مناسبات الزواج والأعراس تنظم في الساحات وسط الحارة، وتستمر لأيام، ويشارك فيها كل أهل الحارة والأقارب، وفي ختامها يزف العريس لعروسه وسط زغاريد الفرح، والتهاني والدعوات للعروسين أن يتم الله عليهما بالسعادة، ويرزقهما الذرية الصالحة، ولم يكن العرس رغم أنه يستمر لثلاثة أيام يكلف العريس مثل ما يفعل اليوم، حيث تجعله المظاهر أسير الديون لسنوات بعد زواجه، الذي قد يستمر أو لا يستمر، لأننا في أعراسنا اليوم خرجنا عن المفهوم الحقيقي للزواج، إلى صورة أخرى من التقليد الأعمى والتنافس، فكل أهل عروس يريدون أن يكون زفاف ابنتهم أحسن من عرس بنت عمتها أو خالتها أو صديقتها أو جارتها، فتحولت الأعراس إلى مظاهر كذابة؛ مما أدى إلى عزوف الكثير من الشباب عن الزواج، وسجلت نسبة العنوسة بين الفتيات أرقاماً مخيفة ومؤلمة". د.أحمد معبي متحدثاً للزميل سالم مريشيد «عدسة- محسن سالم» رغبة التميز وأضافت "دلال ضياء" -إعلامية- أنّ البذخ شكّل ضغطاً على الأسر متوسطة الدخل؛ نتيجة زيادة متطلبات الأفراح، خاصة أنّ الفتاة هي التي تضغط وتطلب أن يكون زفافها مختلفاً عن غيرها، ولا تهمها التكلفة التي ستترتب على ذلك، لأنّه لا يوجد لديها الإحساس بالمسؤولية، ولا لديها إدراك بالمشاركة بينها وبين العريس، إلى جانب شعورها أنّ عريسها لو بدأ حياته الزوجية وقدراته المادية مضطربة فإنّ هذا سينعكس على حياتها، وسيجعلها مليئة بالنكد والخلافات!، فبعض الفتيات في الوقت الحاضر ترى في الزوج أداة لتحقيق رغباتها وليس شريكاً لها في الحياة لكل منهما دوره فيها. فاتورة باهظة وأشارت "دلال ضياء" إلى أنّ المؤسف هو الفعل الخاطىء للعرسان بقبول ما يطلب منهم، بحثاً عن كسب رضا "ست الحسن والدلال"، حيث يفترض أن لا يضعف العريس وأن لا يوافق أن يبدأ حياته بفاتورة قد لا يطيقها، مبينةً أنّها عندما كانت تدير برامج الأسرة في الإذاعة إتصل بها سجين يخبرها أنّه دخل السجن لأنّه اضطر إلى تلبية طلبات الزواج، وهذا أوقعه في ديون كبيرة لم يستطع إيفاءها، موضحةً أنّ المرأة التي تطلب من زوجها فستان وترفض الحضور لعرس بفستان لديها لم تلبسه إلاّ مرة واحدة فهي أنانية وغير واعية، معتبرةً أنّ هذا يدل على أنّ جيل اليوم لم يربى تربية واقعية، فهو منعدم الإحساس -إلاّ من رحم- بأهمية المال والعلاقة بين الزوج والزوجة التي يكون عمادها المودة والرحمة. دلال ضياء زواج زمان وأوضحت "أم عبدالله" -مسنة- أنّه في السابق كانت الأعراس تنظم في ساحات وسط الحارات، وكان كل سكان الحارة عندما يتزوج أحد أبناء جيرانهم يعتبرون أنّ المتزوج ابنهم، ويمكن بوضوح رؤية السعادة والفرح الصادق على جميع الوجوه رجالاً ونساءً، مضيفةً: "كنا لا نعرف في تلك الأيام مشاغل لتفصيل الفساتين أو بيوت أزياء أو فساتين جاهزة، فكل زوج كان يأتي بقطعة قماش خام لزوجته، وهي التي تفصلها وتخيطها أو تستعين ببعض نساء الحارة الخبيرات في هذا المجال لتفصيل وخياطة الفستان (الكرته)، ولم نكن ننظر ماذا تلبس فلانة وعلانة؛ لأنّ المظاهر لا تهمنا ولا نلتفت إليها". ضحك واستغلال للنساء وبيّنت "أم نايف" أنّ هناك الكثير من النساء العاقلات في مجتمعنا، واللواتي لا تهمهن المظاهر، ويعلمن أهمية عدم الانسياق وراء مثل هذه الأمور، مشيرةً إلى أنّ مثل هذا الدلع والإصرار على المظاهر لا يكون إلاّ ممن لم تترب في بيت أسرتها بشكل صحيح، حيث تتم توعيتها بمتطلبات بيت الزوجية، وما يجب عليها لزوجها وكيف تتعامل معه، بعيداً عن الدلع والركض وراء المظاهر الفارغة. ولفتت إلى أنّ الكثير من أصحاب محال الفساتين والمشاغل أصبحوا يجدون في هذا السخف من بعض النساء فرصة للثراء عن طريق وضع بعض "الفصوص" و"الزركشات" على الفساتين وبيعها بسعر مبالغ فيه، فالفستان الذي لا يكلف أكثر من (500) ريال تجده يباع ب (10.000) الآف، وربما أكثر، حيث إنّ بعض النساء تعتقد أنّه كل مازاد سعر الفستان كان الأجمل، وهذا ناتج عن سخف وعدم تقدير لقيمة المال، والزوج المسكين هو الضحية، موضحةً أنّ نظرية العديد من البنات جيل "الآيفون" و"البلاك بيري" هي "زوجي إمّا يدلعني أو يطلقني!". طلبات سخيفة واعتبر "د.أحمد عبد القادر معبي" -عضو المحكمين والاختصاصي في قسمة المواريث- أنّ المرأة التي قد تتسبب في خراب بيتها من أجل فستان رغم عدم حاجتها لذلك أنانية، والزوجة التي لا تذهب لأي زواج أو مناسبة إلاّ بفستان جديد غير الذي لبسته في المناسبة السابقة زوجة ليس عندها وعي، فالإنسان بشخصه وأخلاقه وليس بمظهره وملابسه، مضيفاً: "للأسف بعض النساء لو فتحت دولاب ملابسها فستجد فيه عشرات الفساتين، وكأنّه معرض ملابس وبعض هذه الفساتين لم تلبسها إلاّ مرة واحدة، ومع هذا لا تكتفي بما لديها، وهذ يعدّ إسرافاً وتبذيراً لا مبرر له"، ناصحاً الزوجات أن يتقين الله وأن لا يكلفن أزواجهن أكثر مما يطيقون، وأن يراعين ظروف الزوج، فإذا كانت أسرتها غنية وتعودت على أن تجد كل ما تريد حاضراً فعليها أن تنظر في حال زوجها، وأن لا تكلفه ما لا يطيق، وتهدده بالذهاب إلى بيت أهلها إذا لم يوفر لها بعض الطلبات الكمالية، فمثل هذا البذخ والإسراف قد ينزع الله به النعم والخيرات.