الإنسان في حراكه الدائب والمستمر يبحث عن تحقيق أمل يراوده في التقدم والرخاء والارتقاء في مستوى حياته ومعيشته والدفاع عن نفسه، ويتضح ذلك من خلال تداعيات الثورة الصناعية التي تعيش في نعيم ما توصلت إليه من منتجات، ونتوجس ونعاني من مخاطر منتجات أخرى. وهذا كله يشي إلى ان الإنسان عدو نفسه. وهذه العداوة ملازمة له من خلال اكتشافاته وتصنيعه للمواد الخطرة ومن ذلك تصنيع المواد الكيميائية والبتروكيميائية واستخراج الوقود الاحفوري وتكريره إلى منتجات خطرة وضغط الغاز وتسييل الامونيا ناهيك عن صنع الأسلحة بأنواعها المختلفة. على العموم فإن ما تم طرحه من أفكار ورؤى أمر معروف لكن أغلبه لم يفعّل والسبب ان التدريب والضبط والربط مفقود في كثير من الأحيان، ويعزز ذلك التهاون وعدم الاستمرار على وتيرة الحزم الدائم وقبل ذلك وبعده عدم معاقبة المقصر وعدم مكافأة المخلص وعلى الرغم من أن تلك المنتجات جزء لا يتجزأ من متطلبات الحياة المعاصرة إلا أنها تشكل خطراً داهماً عند عدم ادراك المخاطر التي تنطوي عليها والحذر عند التعامل معها وسنّ القوانين الصارمة التي تقلل من مخاطرها، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه من المعروف أن الكوارث يمكن أن تحدث في أي مكان فلا أحد يستطيع منعها منعاً باتاً إلا الله سبحانه وتعالى سواء أكان ذلك من مصادر طبيعية مثل زلزال اليابان أم إعصار ساندي في أمريكا أم كانت نتيجة خطأ بشري كما حدث في شيرنوبل في روسيا، أم بوهايل في الهند أم صهريج الغاز في طريق خريص الاسبوع السابق. إلا ان العبرة هي ان مثل تلك الحوادث لابد أن تشكل حافزاً على مراجعة أسباب الخطأ والعمل على عدم تكرار هذا الحادث وغيره من الحوادث من خلال أخذ جميع الاحتياطات اللازمة فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. وعلى العموم فإن كثيرا من دول العالم الثالث دأبت على وضع الأنظمة والقوانين والمواصفات لتصنيع ونقل وتخزين المواد الخطرة على درجة عالية من المهنية وكذلك على عقد عدد كبير من المؤتمرات والندوات وورش العمل حول تلك المواضيع إلا ان الأنظمة والقوانين والقرارات والتوصيات الناتجة عن تلك الفعاليات لا تفعّل، ولا يتم تطبيقها على أرض الواقع فهي حبيسة الادراج وذلك لعدة أسباب يأتي في مقدمتها غياب الضبط والربط اللازمين، وغياب التأهيل وعدم كفاءة القيادة الإدارية المباشرة. وقبل ذلك وبعده غياب التدريب المستمر على رأس العمل على كل جديد ومستجد من قبل الكوادر البشرية المعنية. وفي واقعنا المحلي نجد أن كلًا من غرفة الرياضوجدة والدمام، والجمارك ووزارة النقل والدفاع المدني وغير ذلك من الجهات قد قامت بعقد عدد كبير من ورش العمل والندوات حول مخاطر نقل وتخزين وأساليب التعامل مع المواد الخطرة إلا أن مجمل تلك التوصيات وتلك الفعاليات لم يفعّل ويصل إلى حيز التنفيذ. فمازالت صهاريج نقل المواد الخطرة تجوب الشوارع في كل الأوقات دون حسيب أو رقيب ومن المواد الخطرة التي يتم التعامل معها ونقلها وتخزينها بصورة متكررة ما يلي: * المواد البترولية مثل البنزين والديزل والكيروسين التي يتم نقلها إلى محطات الوقود في كل الأوقات تقريباً وبواسطة صهاريج عادية تشبه تلك التي تستعمل في نقل الماء. * الغاز المضغوط والأمونيا السائلة يتم نقلهما بواسطة صهاريج خاصة أو بواسطة اسطوانات تحملها سيارات من نوع ديانا أو ما يماثلها، ناهيك عن تخزينها في أحواش داخل المناطق السكنية أو بالقرب منها. * المبيدات الحشرية والزراعية تباع في بعض المحلات دون أدنى درجة من الوعي والادراك بأساليب التخزين أو التعامل أو المحاذير المرتبطة بها أو حتى لمن تباع. * كثير من المواد الكيميائية الحارقة أو الملتهبة أو المسببة للتآكل مثل الأحماض والقواعد المركزة وفوق الأكاسيد العضوية وغيرها تباع في محلات السباكة وأدوات البناء بكل حرية. * المواد البتروكيميائية القابلة للاشتعال أو التي تبعث غازات قابلة للاشتعال. * النفايات السامة أو المعدية أو المشعة مثل النفايات الطبية والصناعية وغيرها. * من مصادر الخطر الأخرى المشاهدة خطوط الكهرباء ذات الضغط العالي والتي تسبب كثيرا من الأضرار والكوارث مثل تلك التي حدثت في منطقة بقيق قبل أسابيع.. نعم ان زيادة عدد السكان وما ترتب عليه من حراك عمراني وتنموي وتوسع المدن وازدحامها ووجود عدد كبير من العمالة الوافدة غير المدربة، ومحدودية وعدم كفاءة مدارس تعليم القيادة وزيادة عدد المؤسسات والشركات التي تعمل في مجال تصنيع أو نقل أو تخزين أو بيع أو شراء المواد الخطرة، كل ذلك يوجب ان يكون هناك حد أدنى من الضبط والربط في مجال الأمن والسلامة العامة وحماية البيئة وذلك من أجل تحقيق تنمية مستدامة تفي باحتياجات الحاضر، وتحقق التوازن بينه وبين المستقبل في بيئة سليمة وبعيدة عن المخاطر وهذا يتطلب القيام بفعاليات كثيرة منها: - حصر جميع أنواع المواد الخطرة وتصنيفها من الأخطر إلى الأقل خطورة وتوعية الناس بأساليب التعامل معها خصوصاً تلك التي يتم التعامل معها بصورة يومية. - حصر جميع الشركات والمؤسسات والمصانع التي تتعامل مع المواد الخطرة تصنيعاً أو نقلاً أو تخزيناً أو بيعاً أو شراء أو استعمالاً، وتفعيل الأنظمة التي تمكنها من أجل سلامة الأرواح والممتلكات والمنشآت والبيئة وغيرها. - القيام بعمليات التفتيش الدورية على تلك القطاعات من قبل السلطات المختصة بواسطة مؤهلين على قدر عال من المهنية والتدريب والحزم والفعالية والأمانة بصورة دائمة لا تعرف الكلل أو الملل أو التهاون أو الاستثناء. - تدريس علامات الخطر لكل نوع من المواد الخطرة لكل من يتقدم للحصول على رخصة قيادة عامة أو خاصة. - فتح المجال أمام من يستطيع فتح مدارس تعليم القيادة على درجة عالية من المهنية والمصداقية لأن المنافسة بين تلك المدارس يؤدي إلى الجودة بدلاً من مدرسة قيادة وحيدة. - تفعيل توصيات وقرارات المؤتمرات والندوات وورش العمل التي تعقد بصورة ملفتة للنظر دون أن يكون لها مردود «نسمع جعجعة ولا نرى طِحناً». - تحديد مواعيد سير المركبات المخصصة لنقل المواد الخطرة داخل المدن بصورة ملزمة ودائمة فيما بين الساعة الواحدة والخامسة صباحاً؛ حيث تكون حركة المرور أخف ما يمكن مع حظر دخول تلك المركبات أو وقوفها داخل المدن حظراً تاماً خلال الأوقات الأخرى. - نقل جميع المصانع والمخازن ذات العلاقة خارج المدن ولمسافة كافية تضمن أمن وسلامة أرواح المواطنين والمنشآت والممتلكات وغيرها. - تحديد سرعة المركبات المخصصة لنقل المواد الخطرة بما لا يزيد على (90) كلم في الساعة كما يجب أن يتواجد في المركبة سائقان مؤهلان ومدركان بمخاطر المواد التي ينقلانها. - تلزم الشركات والمؤسسات العاملة في مجال نقل المواد الخطرة بتسيير سيارة مزودة بأضواء تنبيه تسير أمام الناقلة لتحذير سائقي السيارات الأخرى من الاقتراب. - إلزام كل من يتعامل مع المواد الخطرة بالحصول على «الشهادة البلاتينية» التي استحدثت بعد أحداث (11) سبتمبر 2001 والتي تعنى بمجال إدارة الأزمات والكوارث والتدريب على معرفة مصادر الخطر وطرق التعامل معها بمهنية وخبرة مع جعل التدريب على رأس العمل على كل جديد ومستجد من أهم أولويات الجهات المعنية بالمواد الخطرة. إن الضبط والربط والتفتيش سوف تظهر أن هناك مستودعات ومصانع ووسائل نقل للمواد الخطرة ومحطات وقود تفتقد أبسط أنواع وقواعد الأمن والسلامة الصناعية أو الأمنية بالاضافة إلى وجود عمالة غير مدربة، ولا تعرف أبسط قواعد التعامل مع أي نوع من أنواع الكوارث ناهيك عن وجود مصانع ووسائل نقل وصهاريج واسطوانات غاز انتهى عمرها الافتراضي ولازالت تعمل أو تستعمل، وكل هذه تشكل قنابل موقوتة قابلة لإحداث كارثة في أي وقت على غرار ما نشاهده أو نقرأ أو نسمع عنه هنا وهناك. وعلى العموم فإن ما تم طرحه من أفكار ورؤى أمر معروف لكن أغلبه لم يفعّل والسبب ان التدريب والضبط والربط مفقود في كثير من الأحيان، ويعزز ذلك التهاون وعدم الاستمرار على وتيرة الحزم الدائم وقبل ذلك وبعده عدم معاقبة المقصر وعدم مكافأة المخلص. وإذا رجعنا إلى عدد الجهات الرسمية التي لها علاقة بإحدى مفردات الأمن والسلامة نجد أنها عديدة وتشمل: الأمن الصناعي، أمن المنشآت، الدفاع المدني، الهلال الأحمر، حماية البيئة، النقل والمواصلات، البلديات، المرور والنجدة والاتصالات ولكن كلّ منها يعمل بصورة مستقلة عن بعضها البعض والتكامل فيما بينها قد يكون محدوداً ولذلك فإن وجود جهاز تنسيق يعمل على تكامل خدمات تلك الجهات وتحديد المسؤوليات أصبح في غاية الضرورة ناهيك عن توحيد الجهة التي يتم الاتصال بها عند حدوث كارثة أو طلب مساعدة وذلك على غرار (911) في أمريكا وغيرها من الدول المتقدمة على أن يصبح حفظ الرقم الموحد واجباً على الكبير والصغير ويصبح من أولويات التعليم حتى يستطيع الجميع الاتصال به في الوقت اللازم.. كم أتمنى أن أعيش في القمر لأبتعد عن كوارث البشر! والله المستعان..