الحادث المفجع الذي وقع صباح يوم الخميس الماضي في مدينة الرياض، نتيجة اشتعال الغاز المتسرب من صهريج نقل لهذا الوقود، وما نجم عنه من فقدان لأرواح وإصابات بالغة لمواطنين ومقيمين ودمار لمنشآت وممتلكات نسأل الله أن يتغمد المتوفى منهم برحمته وأن يعجل بشفاء المصاب ويعوض من خسر في هذا الحادث المؤلم، ليس هو في الواقع الأول في مقدار وحجم آثاره المأساوية، فسجلات الدفاع المدني وأقسام الطوارىء في مستشفيات العاصمة الرياض في التسعينيات الهجرية تتضمن رصداً لمثل هذه الفاجعة التي نراها تتكرر مرة أخرى دون اتخاذ خطوات فعالة من الشركة التي تحظى بامتياز نقل وتوزيع هذا الوقود في مدن المملكة على مدى خمسة عقود، بما يحقق مقداراً أكبر في عنصري الأمان والسلامة في تسويق هذه الخدمة والاستفادة منها. ما سبق أن ظهر من مؤشرات إيجابية في هذا الشأن لا يتجاوز ما أبان عنه سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول أثناء لقاء سموه مع أعضاء لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشوري في منتصف شهر رجب من هذا العام عن قيام وزارة البترول بإجراء دراسة تتعلق بإيصال الغاز المعد للاستخدام المنزلي عبر الأنابيب إلى المساكن والتي وضعت مدينة الرياض نموذجاً لهذه الدراسة، وجرى البحث في هذا الإطار مع عدد من الجهات عن إمكانية الاستثمار في مجال إيصال الغاز الطبيعي للمستفيدين عبر تلك الشبكة بدلاً من إسطوانات الغاز البترولي المسال (البوتوغاز). إن إسطوانات الغاز تلك هي بالإضافة لما توصف به من أنها قنابل موقوتة في مدننا، هي مظهر تخلف في شوارعنا من خلال مراكز بيع تلك الإسطوانات، وشاحنات نقلها وتوزيعها المتهالكة للمنازل والمطاعم والورش وخلافها، فدول العالم المتقدم، بل وعدد من الدول المحيطة بنا لم تعد تستخدم ذلك الأسلوب في نقل وتوزيع هذا النوع من الطاقة للمستفيدين، حيث استعاضت عنه بشبكة تمديدات حديثة تحت الأرض، أو على الأقل شرع البعض منها في البدء بتنفيذ خطة تتعلق بهذا الشأن ليستكملها على مراحل عاماً تلو آخر، كما نرى ذلك في دول شقيقة مثل قطر، والأردن ذات الموارد النفطية المحدودة، وكذلك مصر ذات التعداد السكاني الكبير والمساحة الشاسعة التي تنتشر عليها العديد من المدن. إن شبكة التمديدات الأرضية للغاز الطبيعي في المدن هي أكثر أماناً من أسلوب إيصال الخدمة عبر إسطوانات (البوتوغاز)، بل لهذه الشبكات تقنيات متقدمة تتيح إمكانية قطع التغذية عن الجزء الذي يوجد به تسرب من مركز الإمداد لهذه الخدمة، حيث يبدأ نقل هذه الخدمة عبر الشبكة الوطنية المرتبطة بحقول التزود من هذا الوقود، التي تتجه بدورها للمدن المستهدفة بخدماتها بضغط مرتفع لهذا الغاز يتراوح في هذه الشبكة بين 30 – 70 بار، لتتفرع منها بعد ذلك شبكة الخطوط الرئيسية التي تغذي محطات الضغط المنخفض التي تقع على حدود المدن المراد خدمتها من أجل خفض الضغط لهذا الغاز في تلك المحطات ما بين 4 – 7 بار، قبل دخول الغاز إلى شبكة التوزيع في المدينة التي تزود عبر تلك المحطات أيضاً بمواد ذات رائحة مميزة، لأسباب تتعلق بالسلامة أثناء حدوث تسرب للغاز في تلك الشبكة. إن تحقق وجود تلك الشبكة للتغذية بالغاز الطبيعي في مدننا سوف يتيح فرص عمل جديدة لأبنائنا، ويتيح الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمالة الوافدة في مجال النقل والتوزيع وفق الأسلوب الحالي المتبع كما سيخفض من مخاطر الحريق في المنازل، بل وسيخفف المعاناة على المعوقين والنساء وكبار السن والمقيمين في المباني السكنية ذات الأدوار العالية من نقل إسطوانات الغاز من حين لآخر هذا بخلاف التخلص من المظاهر السلبية وغير الحضارية لمواقع تعبئة وتوزيع إسطوانات الغاز، فمتى يكون العام المستهدف لإخلاء مدننا من إسطوانات وصهاريج الغاز.. ؟ سؤال نطرحه على المجلس الاقتصادي الأعلى على ضوء الدراسة المعلن عنها التي رفعت للمجلس في هذا الشأن من وزارة البترول والثروة المعدنية.