يفترض أن تبدأ خطط التنمية حسب أولويات مدروسة تأخذ في الاعتبار الأهم فالأهم، ومن البديهيات أن وسائل الحياة الأساسية مثل الماء، والكهرباء، والغذاء، والمواصلات، تحظى باهتمام خاص، وتُحدّث باستمرار لمواكبة المستجدات أينما استوجب الأمر ذلك. بلدنا ولله الحمد ينعم برخاء وافر لا مثيل له في موارد الطاقة الرئيسة - بترول وغاز- وينعكس ذلك على حياة المواطن بصفة عامة. توفر وقود المركبات من بنزين وديزل بأسعار مخفضة يخفف على المواطن بعض أعباء تكاليف الحياة، ولكن الغاز الذي يحتاجه كل بيت في المملكة لم ينل الاهتمام اللازم بعد! ويكاد أن يكون غائبًا عن الحوار رغم أهميته ووفرته. كما أن طرق توزيعه وإيصاله للمنازل ما زالت بدائية للغاية، ولم تتغيّر منذ أن بدأ التصنيع والتوزيع في المملكة، وهذا يدل على نوع من القصور في كيفية إعداد تكاملي لخطط البني التحتية لأن الخدمات الرئيسة مثل الماء والكهرباء والغاز والهواتف ينبغي أن يتم الإعداد لتمديداتها جنبًا لجنب بحكم ضرورة إيصالها لكل منزل وعمارة ومركز تجاري، وأي مرفق آخر يحتاج لها ولا يمكن الاستغناء عنها. يؤكد خبراء تخطيط المدن أن أي مدينة في العالم تحتاج لخطة متكاملةMaster Plan)) تشمل كل مستلزمات البنية التحتية للمدينة وتوقعات توسعها وزيادة عدد سكانها وشبكة المواصلات التي تحتاجها على أن تعد الخطة بنظرة مستقبلية لا تقل عن خمسين عامًا إلى الأمام. والغاز -كما هو معروف- من المواد الخطرة التي تحتاج لعناية خاصة لضبط جوانب السلامة وإجراءاتها تجنبًا للحوادث مثل الذي حصل في حي الوزيرية بمدينة جدة وذهب ضحيته أحد عشر شخصاًَ، ولا أحد يعلم إذا كان هناك تأمين يضمن تعويضات المتضررين من جراء ذلك الحادث الأليم، والمتوقع أن التمديدات الأرضية ستحد من تكرار تلك الحوادث وخاصة في الأماكن المقدسة مع ازدحام حركة النقل وكثافة الحجاج والمعتمرين على مدار العام. ونماء المدن وتكامل مرافقها يتشكل من خلال تصورات ومتطلبات ساكنيها وأنشطتهم الحياتية.. تجارة.. وصناعة.. وإنتاج.. وتفاعل مجتمعي مستمر في كل لحظة تمر من حياتها.. وما تحقق من منجزات عمرانية في وطننا الغالي خلال الخمسين عاما الماضية خير شاهد على مسيرة نهضتنا التنموية، وبالرغم من بعض الصعوبات والإرهاصات التي نعيشها نعتز بذلك وننشد المزيد. قبل فترة صدر نبأ مفاده أن مجلس الاقتصاد الأعلى يدرس مشروع إيصال تمديدات الغاز للمنازل -المشروع الذي طال انتظاره- لأن الوضع الحالي مقلق للغاية من عدة جوانب أولها عنصر السلامة أثناء النقل والتخزين لاسطوانات الغاز في كل مدن المملكة وثانيها معاناة المواطن الذي يضطر لحمل عبوة الغاز ذهابًا وإيابًا لتعبئتها أو استبدالها بعبوة جديدة، وفي بعض الحالات يضطر للاحتياط بأخرى إضافية في منزله أو محله التجاري لضمان استمرار احتياجاته. والغريب في الخبر الذي ورد في صحيفة الاقتصادية قبل فترة أن الجهات المعنية ما زالت تنتظر التأكد من الجدوى الاقتصادية للمشروع! والأشد غرابة أيضًا أن بعض الجهات لم تصل إلى قناعة حتى اللحظة بأن الغاز أصبح من الحاجات الضرورية، وأن إيصاله إلى كل منزل أمر لا مفر منه.. وأن جدواه الاقتصادية واضحة للعيان ولا تحتاج لمزيدٍ من التأخير، لأن المصدر متوفر بأسعار متواضعة جدًا، والمستهلك مضمون، فهل بعد كل هذه الحقائق هناك شك في الجدوى الاقتصادية؟! والملاحظ على امتداد مسيرتنا التنموية أنه عندما يتم اعتماد المشروع وتبادر الجهة المعنية بالتنفيذ تتعرض المدن لجولة جديدة من الحفريات بكل ما يترتب عليها من معاناة والله أعلم متى ستنتهي! وكم من خدمات أخرى ستتأثر بتلك الحفريات؟! وبعد التجارب الصعبة التي تعرضت لها المدن خلال إمدادات الكهرباء والماء والاتصالات والصرف الصحي -الذي لم ينته بعد- هل لنا أن نطمع ونتمنى ونرجو؛ الجهة التي ستشرف على مشروع الغاز عندما يتم البت فيه.. أن تبدأ العمل بخطة مدروسة يكون لها سقف زمني محدد وجدول ومعلن لكل مدينة ومحافظة مستفيدين من التجارب السابقة؟! بدلًا من أساليب- قص ولصق- التي اتبعت في الكثير من المشروعات السابقة! والأمل أن توكل المهمة لشركة أرامكو بصفتها المصدر الرئيس المزود للغاز من أجل ضمان الجودة وسرعة التنفيذ والتأكد من احتياطات السلامة الضرورية المتبعة في كل مرافق شركة أرامكو.. والله من وراء القصد. [email protected]