ظلت مصر تقاوم سياسة إلحاق قطاع غزة في مصر منذ الثمانينيات إلى ما قبل ثورة يناير، وربما ما بعدها! فقد كانت الفكرة السائدة عند صانع القرار الإسرائيلي ان غزة كأرض منفصلة عن دولة الاحتلال، ولم تشكل سوى 1% من الاراضي الفلسطينيةالمحتلة، وإنها مكان تجمع به اللاجئين الفلسطينيين منذ احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية 48 وأصبح ذا كثافة سكانية مزعجة لتل أبيب، وتركتها اسرائيل ولم تفكر في احتلالها احتلالا كاملا في يوم ما، فما غزة لها إلا وجود مزعج أرضا وسكانا، فلا بد أن تتخلص اسرائيل من هذا الإزعاج، ولن يتم لها ذلك إلا بإزعاج مصر به، أي الحاق قطاع غزة بمصر...، والتنازل عنها هو كل ما تستطيع أن تقدمه إسرائيل للفلسطينيين من أجل سلام دائم مع العرب، فعند إسرائيل الأرض الفلسطينية التي يوجد بها شعب فلسطين هي قطاع غزة فقط. فالكلام عن غزوة اليوم قد يكون كلاما مزعجا للبعض مثل إزعاج غزة لإسرائيل، خاصة وأنه سيأتي لصالح النظام المصري السابق الذي كافح بكل قوته السياسية حتى لا يتم مخطط اسرائيل لإلحاق قطاع غزة بمصر، كلنا يتذكر عملية الرصاص المصبوب أو الحرب على غزة 27 ديسمبر 2008 إلى 8 يناير 2009، تلك الحرب التي أوضحت وحشية الجيش الإسرائيلي ودمويته، فنعرف أن كل حرب لا بد أن يكون لها هدف فقد كان هدف تلك الحرب هو الحاق غزة بمصر أو على أقل تقدير أن تتحمل مصر مسؤولية قطاع غزة، فلم يكن القصد هو تخفيض عدد سكان غزة وزيادة معاناتهم وحسب، وأصبح العالم وقت ذاك يتطلع لمعبر رفح المصري المغلق أمام سكان غزة إلا في حالات وأوقات محددة، ومن الضروري أيضا أن نتذكر أن فتح المعبر يرتبط بالاتفاقية التي وقعتها مصر مع الدول الأوربية عام 2005 التي تتضمن وجود مراقبين أوروبيين على حدودها مع اسرائيل بما في ذلك معبر رفح، وهذا ما احترمته مصر وعملت به في ذلك الوقت، إلا أن وحشية الحرب جعلتها تسمح بدخول الجرحى الفلسطينيين من المعبر وعلاجهم بمستشفيات مصر والدول العربية التي بادرت في ذلك الوقت ومنها المملكة، كما سمحت بقوافل المساعدات الى غزة عن طريق معبر رفح، إلا أن ذلك لم يشفع لها أمام الشارع العربي واتهمها بالتواطؤ مع العدو الصهيوني، والحقيقة إنها لم تكن كذلك ولكنها كانت ضد تنفيذ سياسة الحاق غزة بأرضها، السياسة المصرية كانت تريد أن تضع إسرائيل أمام مسؤوليتها القانونية والإنسانية كقوة احتلال، ورفضت تقسيم الشعب الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وترى إن فلسطين جميعها أرض محتلة، وليس أمامها ما تقدم للمحتل الإسرائيلي إلا ما جاء بالمبادرة العربية "حدود 67" كأرض تقام عليها دولة فلسطين وعاصمتها القدس، فما غير ذلك فقد كان مرفوضا تماما. في ذاك الوقت كان المسؤول عن الملف الفلسطيني رجل معروف بقوميته واجتهاده في الحفاظ على سيادة بلده المرحوم اللواء عمر سليمان، هذا الرجل يعرف الأنفاق السرية بين بلده وقطاع غزة نفقا نفقا التي تدخل معها جميع المواد الغذائية والمعدات وفي بعض الأحيان الأسلحة على رغم انكار مصر لمعرفتها بتلك الانفاق، فمصر تغلق المعبر الشرعي، وتفتح الانفاق السرية حتى تخفف عن أهل غزة معاناة الحصار الإسرائيلي، وتدين في نفس الوقت عمليات التهريب السرية كجزء من اللعبة مع تل ابيب، فقد كان سليمان يلاعب العدو الاسرائيلي لعبة لم تستطع دولة الاحتلال الصبر عليها، وهذا الشيء جعل الإعلام الإسرائيلي يطلق لقب "الثعلب" على اللواء سليمان، فمصر أمام العالم مغلقة المعبر، وأمام سكان غزة ونفسها فتحت عدة انفاق، هذا الشيء لم تسكت عليه اسرائيل ورأت ان دهاء المصريين تجاوز دهاءها، فلا بد أن تتغير اللعبة، وقبل أن تغيرها لا بد أن يتغير اللاعبون. اليوم فتح معبر رفح رسميا ويدخل معه كل ما تريد غزة، والتزمت حكومة الرئيس مرسي بكل ما يحتاج أهل غزة من كهرباء وسولار وغيره، فهل نحن أمام مشروع الحاق قطاع غزة في مصر أو أن الأمر لا يتعدى كونه مساعدات انسانية فرضتها وحدة الدم والدين فقط !!