الحج نداء الهي ومشهد عبادي وموسم عظيم تتدفق إليه أفواج الحاجين من كل فج عميق استجابة لربهم وطلباً لمرضاته «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات» الآية. في مكان وزمن مقدس وفي لباس واحد تحتشد جموع الحجيج وتلهج بصوت واحد «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك». الجموع واقفة والقلوب خاشعة والمشهد مهيب والموقف عظيم يوم حقاً مشهود تحتفي به السماء قبل الأرض.. يوم يباهي الله فيه ملائكته إنه يوم عرفة «والحج عرفة» كما قال صلى الله عليه وسلم «خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير». في هذا الموقف تتضرع فيه القلوب لخالقها وتدعوه وتناديه بخير الدعاء «لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير». وهكذا هذا الخشوع وهذه الطمأنينة وهذه السكينة تستمر معنا في سائر مناسك الحج فالمقصد ذكر الله وشكره وتوحيده وتعظيمه هنا تبرز القيم وعليه ان يتجلى الخلق وان تضبط تعاليم الإسلام جل تصرفاتك وسلوكياتك «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج».. وان تحرص ان تخرج من ذنوبك كيوم ولدتك أمك من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. هكذا يعلمنا ويربينا المصطفى وديننا الإسلامي دين عظيم حرص في معظم تعاليمه وتوجيهاته ان يجعلنا أمة واحدة متحابة متعاونة متآلفة كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص وأجزل المثوبة لمن ساهم في شد البناء ورص الصفوف. والحج مشهد إسلامي كبير علينا ان نضرب أروع الأمثلة في تجلي الخلق وابراز القيم الناصعة فلا تدافع ولا رفث ولا فسوق ولا جدال، فالقلوب خاشعة ومتصافية ومتآلفة.. فالتراحم والمحبة والمودة هي سمتنا وطريقتنا وهي منهج علاقتنا فيما بيننا معشر الحجاج.. وكلنا أمة الإسلام همنا واحد وقلوبنا في خفقة واحدة مع حجاج بيت الله ندعو لهم ونسأل الله سلامتهم وعافيتهم وان يعودوا إلى أهلهم وأوطانهم سالمين مقبولين. فالحاج المسلم عليه ان يضبط سلوكياته وسائر تصرفاته وان يساهم في نجاح الحج وسلامة وأمن الحجاج. وسائر الدول العربية والإسلامية عليها مسؤولية كبيرة في سلامة وراحة وأمن الحجاج وان تسعى جاهدة في توعية حجاجها وضبطهم وان يكونوا عنصراً فاعلاً في نجاح الحج لاسبباً في اعاقته أو تعكيره وكذلك على سائر الدول العربية والإسلامية ان تؤازر الدولة السعودية وان تقف معها في ضد كل من يحاول المساس بأمن الحج وسلامة الحجاج وهذا ما نؤمله في كل الدول الإسلامية والعربية.. فما أجمل ان تكون فريضة الحج فرصة لتربية هذه الأمة على التوحد ونبذ الخلافات وترك الانقسامات ووأد الفتنة وإزالة الاحتقان وان تعود أمة متحابة شعارها واحد وراية التوحيد ترفرف خفاقة من على بنائها المتماسك الشامخ. سطور أخيرة: كل التعاليم والوصايا التي يحثنا الإسلام على تطبيقها كلها تصب في صالح المجموع وفي صالح رقي ونجاح الأمة فعندما تأتي بهذه الفرائض والنوافل تأخذ عليها الأجر الكثير من الله وتكون ساهمت في شد بناء هذه الأمة.