إن ما يحدث في سورية حالياً هو حالة من السقوط الإنساني، يحتشد فيها إلى جانب النظام السوري- حسب أحد المحللين - « لصوص ورجال مخابرات وتجار سلاح، وأحزاب وفئات وأقليات، ودول وأنظمة وصامتون وشامتون وطائفيون بغيضون وقتلة مدربون، إضافة إلى حزب الله اللبناني المدرب على حرب الشوارع لا ريب أنّ جامعة الدول العربية بصمتها المطبق عن جرائم الإبادة في سورية تتحمل مسؤولية تاريخية في انزلاق البلاد إلى حرب إبادة على أيدي النظام النصيري المنفلت من عقاله، لكن الشعب السوري الذي صبر ما يقارب العامين، وخسر أكثر من ثلاثين ألف قتيل، غير آلاف مؤلفة من المفقودين والأسرى والمهجرين، قد حزم أمره، ولن يتراجع عن ثورته على جبروت النظام الطاغي . لقد نادى الشعب السوري بتدويل الأزمة، ونادى بالحماية الدولية، ونادى بالحظر الجوي، ومعه الجيش السوري الحر، والمجلس الوطني السوري، بعد أن رأى عجز الجامعة وفشل مراقبيها في تطبيق البروتوكول والمبادرة التي وقع عليها نظام القتلة . ومما يدعو للعجب أن الجامعة في الوقت الذي تدين فيه (بشدة) استهداف مصنع سوداني بالعاصمة الخرطوم بطائرات حربية إسرائيلية منذ أيام، تعجز عن إدانة التدخل الإيراني والروسي في سورية لنصرة النظام النصيري، ضد الشعب السوري ! بل إن الأمانة العامة قالت - حسب البيان - إنها ستتابع " عن كثب التحقيقات الجارية حاليا فى السودان للوقوف على تفاصيل هذا العدوان الغادر على دولة عربية ذات سيادة، كما يجرى تشاور وثيق بين الأمين العام للجامعة العربية ووزير خارجية السودان بشأن الإجراءات التى سيتم اللجوء إليها لمواجهة هذا العدوان الإرهابى " إنها سياسة الكيل بمكيالين، وإلا ماذا يعد الاعتداء على مصنع في السودان إزاء ما يحدث من مجازر وإبادة للشعب السوري بأيدي إيران وأسلحتها ومقاتليها وأسلحة روسيا، إلى جانب مقاتلي حسن نصر اللات وعدتهم القتالية؟! إن ما يحدث في سورية حالياً هو حالة من السقوط الإنساني، يحتشد فيها إلى جانب النظام السوري- حسب أحد المحللين - " لصوص ورجال مخابرات وتجار سلاح، وأحزاب وفئات وأقليات، ودول وأنظمة وصامتون وشامتون وطائفيون بغيضون وقتلة مدربون، إضافة إلى حزب الله اللبناني المدرب على حرب الشوارع، وفارس المعروفة بحياكة السجاد والمؤامرات من أيام أبي مسلم الخراساني الذي عرف العباسيون غدره لاحقا فقتلوه ". علاوة على صمت الجامعة كما أشرنا، بما يشبه التواطؤ لصالح النظام، والعجز الكامل عن مجابهة إيران التي ترسل مقاتليها لسورية بما يؤكد أنها تخوض حربا حقيقية، لكنها حرب غير متكافئة مع مدنيين عزل ! لذا فهي تقود أعمال العنف والتعذيب والقتل والإبادة في سورية، بمباركة روسية - صينية وصمت عربي مريب (باستثناء بعض دول الخليج العربي)، وذلك لتدمير ما أمكن من مقدرات سورية وتهجير السكان، كما فعلوا في غرب حمص وإدلب وحلب ودرعا؛ ليرسلوا مستوطنين مجوس للحلول محل السكان، ليغيروا طبيعة المنطقة الديموغرافية . وبالنسبة للبنان فإن التدخلات الإيرانية فيه تعني أن إيران لم تعد تخجل من الإعلان صراحة أنها ورثت الدور السوري في لبنان بعدما خرجت قواته منه في العام 2005، وأنها - أي إيران - باتت الطرف الذي يتحكم بكل ما يتعلق بحاضره ومستقبله، وأنها هي التي تمسك بالخيوط فتشدها أو ترخيها بحسب ما تتطلبه مصالحها التي يعتبر حزب الله نفسه جزءاً لا يتجزأ منها وطرفاً فاعلاً في تأمينها. حينما أعلن خامنئي - بلا حياء و بلا مبالاة بالسلطة الشرعية في لبنان - أنّ سلاح حزب الله باقٍ ما بقي الكيان الإسرائيلي في المنطقة، فإنه بذلك يعيد تثبيت الوظيفة الإيرانية الإستراتيجية لحزب الله، وإن حمايته تعد أولوية يتبناها أرفع مقام في الجمهورية الإسلامية، ما يعني أن يظل سلاح حزب اللات خارج أي تسوية، وأن يبقى الحزب كياناً مستقلاً عن الدولة اللبنانية . تلك الدولة التي قال المرشد نفسه تأكيدا لدور حزب اللات فيها : " إن لبنان يذكره بشخصية إزميرالدا، في إحدى روايات الأديب الفرنسي فيكتور هوغو، وهي الصبية اليافعة الجميلة التي كان يرغب في وصالها كل الرجال المحيطين بها، ما دفعها بغية الدفاع عن كرامتها إلى حمل شفرة تصدّ بها المتحرشين ! وأضاف خامنئي أنّ لبنان هو هذه الصبية، والمقاومة شفرتها التي بها يُصان العرض وتُحمى الكرامة " . لقد نجح حلف الشرّ (خامنئي والأسد وحسن نصر اللات) في الاستيلاء على " إزميرالدا " اللبنانية ! الآن بات لبنان واللبنانيون يدفعون الثمن من أمنهم وعيشهم ومستقبلهم، ذلك أنّ حزب الشرّ أثبت أنه قادر على تغيير الحكومة اللبنانية، وتعطيل مؤسسات الدولة، واغتيال القيادات السنية، وإعلان الحرب على إسرائيل، واختطاف الدولة بأسرها. أورد موقع إلكتروني مقالاً مهماً عن الاغتيالات في سورية ولبنان، و ةأنه من بدهيات نظام بشارالأسد اعتماده الاغتيالات، للتخلص من كل من يخالفه، فالجميع يعلم باغتيال رئيس الوزراء السوري محمود الزعبي، ثم غازي كنعان لإخفاء عملية اغتيال الحريري لقطع كل الخيوط الموصلة لعلاقة سورية وحزب الله بها، ثم اغتيال العميد سلاطة المسؤول عن ملف مؤامرة مقتل الحريري، ثم اغتيال عماد مغنية رئيس الجهاز العسكري في حزب الله . وهذا جزء يسير من مسلسل سياسة الاغتيالات والتفجيرات التي قامت بها سلطة الأسد، منذ الأسد الأب الذي بدأ هذه السلسلة في لبنان، والمسلسل مستمر ما بقي هذا النظام المارق فهو أمهر نظام في العالم في الاغتيال وافتعال التفجيرات لاستهداف خصومه، وعقيدة الأسد التي تلقاها عن والده هي القاعدة الميكافيلية (على القائد ألا يمارس الفضائل مع الخصوم إذا أراد الحفاظ على كرسي الحكم، لأن مصلحته الشخصية في البقاء على كرسي الحكم ترغمه على انتهاك قوانين الإنسانية والرحمة والدين والأخلاق) ! بل الأكثر من ذلك " أن تاريخ نظام الأسد الأب والابن من بعده حافل بالتدخل في شؤون الدول المجاورة، وإشعال الأزمات فيها، ثم التقدم لعرض خدماته في حلها مقابل تنازلات. وما من بلد اكتوى بتدخل النظام السوري إلا ويعرف ذلك كما يعرفه لبنان الذي تبدد سلامه في عام 2005 باغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري " وما تلاه من اغتيالات لشخصيات لبنانية من فريق واحد، كان آخرها منذ أيام وسام الحسن الذي كان يمثّل الجهاز الأمني الوحيد في لبنان الذي يثق به كثيرون، نظرا لمصداقيته ونزاهته، اغتيل الحسن لأنه كشف عن كثير من صور الإجرام السوري في لبنان، ولأنه بات يعلم الكثير عن حلف الشرّ وممارساته الإجرامية، ويعرف الكثير عن عملائه اللبنانيين وحجم تورطهم في التآمر ضد لبنان، ولأنه في آخر المطاف سنيّ من الفئة التي كُتب عليها أن تكون حمىً مستباحاً للأسد وإيران وحزب الشيطان . في رسالة واضحة مفادها، أنه ممنوع على هذه الطائفة أن تتحرر من قبضة حلف الشرّ، وكل من يتجرّأ على ذلك مآله القتل ! إنّ ما حدث من اغتيال لوسام الحسن يعني أنّ اللبنانيين أمام " محاولة انقلابية " جديدة ترمي إلى الاستيلاء على البلد في لحظة تهاوي نظام بشّار الأسد. لكي يصبح لبنان "جائزة ترضية" لإيران عند سقوط حليفها بشار. يحدث كل هذا في سورية ولبنان في ظل هيمنة مجوسية، وضمن لعبة التجاذب الإقليمي والدّولي، ما جعل إيران تكاد تحقق نجاحا في تسويق مشروعها حول "شرق أوسط إسلامي" بقيادتها نتيجة نفوذها في عراق ما بعد 2003، وتحالفها الاستراتيجي الحيوي مع النظام السوري وركيزتها الإيديولوجية في لبنان، كذا مع حركتيْ "حماس والجهاد الإسلامي" في فلسطين، وكلّ هذا حتى تكوّن ما يُسمى بالهلال الشيعي من طهران إلى غرب البحر الأبيض المتوسط، الذي يشكل - لو تمّ كما خططت له - تتويجاً لحلم إمبراطوري إيراني في الوصول إلى قلب بلاد العرب، وهذا لم يحدث سوى مرّة واحدة منذ أيام الملك كورش . ولا ننسى مسعاها للسيطرة على منطقة الخليج العربي، عبر افتعال الإشكالات حول اسم الخليج وهويته، فاحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، والعمل على اختراق مجتمعاته تحت عناوين مذهبية بهدف بث الفوضى فيه عبر عملائها، خصوصا البحرين التي كانت دوما في دائرة الاستهداف الإيراني. لكن ما تشهده المنطقة من تغيرات، والثورة السورية، والعقوبات الدولية المفروضة عليها، وما تعانيه من ضائقة اقتصادية، كل هذا سيقلص نفوذها، ويقضي على أحلامها ومشاريعها التوسعية، وحتى يحدث هذا فإنها ما زالت كالأفعى التي تبث سمها أنى اتجهت، ولا خلاص إلا بقطع رأسها ! يحدث هذا في الدول التي تنتمي لمنظومة اسمها جامعة الدول العربية، منظومة ما زالت تغط في سبات عميق !