اكتست "منى" حلتها البيضاء بالخيام المطورة وخدماتها الأساسية لتعلن لحجاج بيت الله الحرام القادمين إليها لقضاء يوم التروية فيها؛ اقتداءً بسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع يوم قدم في العام العاشر من الهجرة ليوضح للمسلمين نسكهم ليسيروا عليها في كل عام، ملبين نداء الحق في صفوف موحدة، وبرداء واحد لا يتغير لونه بتغيّر الشخصيات، فبياضه الناصع توافق مع بياض خيام "منى"، التي ازدانت بحلتها معلنةً للعالم نقاء وصفاء قلوب المسلمين، وتوحدهم في العبادات. اهتمام القادة وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدلله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده نائب رئيس مجلس الوزارء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله-، وبمتابعة مباشرة من قبل صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا؛ أكملت الأجهزة الحكومية استعدادتها لخدمة ضيوف الرحمن لحج هذا العام 1433ه. وتابعت "الرياض" الاستعدادات المكثفة والإمكانات التي أعدتها مختلف أجهزة الدولة لخدمة وراحة ضيوف الرحمن، حيث تمت صيانة وتجهيز شبكة من الطرق الحديثة، والأنفاق، والجسور المصممة على أحدث المواصفات العالية، والمزودة بكافة وسائل السلامة واللوحات الإرشادية، لتسهيل وصول الحجاج إلى مواقعهم بمشعر "منى"، إضافةً إلى تخصيص عدد من الطرق الخاصة للمشاة التي تم تظليلها وتهيئتها بالخدمات اللازمة. التجهيز والاستعداد وقد جهزت وزارة الشؤون الإسلامية مساجد مشعر منى لاستقبال حجاج بيت الحرام بالفرش الفاخر والتكييف وتجهيز دورات المياه، وجهزت الشوارع والطرقات لتوفر للحجيج بيئة نظيفة ونقية تمنحهم الفرصة للتجول، فضاغطات النفايات انتشرت بالتقاطعات والشوارع الرئيسة لتؤكد للجميع أن النفايات يمكن التخلص منها سريعاً دون أن تنبعث روائحها أو تتجمع، وكانت أمانة العاصمة المقدسة حاضرة قبل وقت كافٍ، وأنجزت أعمالها وخدماتها، وتحديداً في تنظيف الشوارع ورش المبيدات. وفي مقابل توفير الخدمات وتوفير السلامة في المخيمات؛ مُنح ضيوف الرحمن الراحة النفسية والإطمئنان فشعروا أنّهم أمام كوادر سعودية مؤهلة تتشرف بخدمتهم، وتقول لهم "لبيك فنحن خدامك".. خدام من لبى نداء الله وترك المال والأهل والولد وقدم إلى المشاعر المقدسة لا يرجو سوى الرحمة، والغفران، والقبول، والثواب. أما الاتصالات الهاتفية سواء كانت ثابتة أو متنقلة لم تكن هي الأخرى بعيدة عن الإهتمام، فقد انتشرت الكبائن في أكثر من موقع؛ مما يوفر للحجاج سرعة الاتصال بذويهم عبر هذه الكبائن أرضياً أو جوياً عبر هواتف جوالة حرصت الاتصالات على توفير بطاقاتها وجعلها في متناول الجميع. خدمات موحدة بياض الخيام الخارجي وبرودتها الداخلية وإضاءتها الجيدة زادتها وسائل السلامة أماناً واستقراراً لكل من استظل تحت ظلها رافعاً يديه للسماء داعياً ربه بالغفران، وبالدخول إلى أي من مخيمات الحجاج سواءً كانوا قادمين من آسيا أو أوروبا أو من أمريكا وإفريقيا واستراليا؛ فإنّ مخيماتهم موحدة بخدماتها الثابتة التي لا تتغير بتغير الاجناس أو الألسن، فالكل في هذه الأيام سواسية أمام رب العباد ليس لأحد فضل على أحد إلاّ بالتقوى. الوقفة الكبرى وتعدُّ "منى" أقرب مشاعر الحج لمكةالمكرمة، وينزل بها الحاج في يوم التروية ويؤدي بها صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ومع اشراقة شمس اليوم التاسع من شهر ذي الحجة يتوجه منها إلى مشعر "عرفات" لقضاء "الوقفة الكبرى" على صعيدها الطاهر، ومع غروب شمس اليوم نفسه يتوجه إلى المشعر الحرام بمزدلفة، ومع فجر يوم العاشر من ذي الحجة يتوجه الحاج الى مشعر "منى" -مرة ثانية- لرمي جمرة العقبة الكبرى، ويتحلل من الإحرام، ويذبح هديه وأضحيته، كما يبقى في "منى" ثلاثة أيام؛ العاشر والحادي عشر، والثاني عشر أو الثالث عشر من شهر ذي الحجة، ويوجد بمشعر "منى" الجمرات الثلاث؛ العقبة، والوسطى، والصغرى، كما يوجد بها مسجد "الخيف"، ومسجد "المرسلات"، ومسجد "الكبش"، ومسجد "الكوثر". الحج عرفة تهيأت "عرفات" بوضع اللمسات الأخيرة في مدينة مصغرة تستقبل قوافل الحجيج من أكثر من (120) دولة، وذلك في مسافة قدرها (12) كم من الشمال إلى الجنوب و(5) كم من الشرق إلى الغرب، وتستقبل "عرفات" ما يقارب (4) ملايين حاج -الموسم الجاري-، يفترشون الأرض بلون لباسهم الأبيض، ليعكس صفاءه مع مرايا السماء الزرقاء ليشهدوا يوم الغفران. الحشر السنوي عمال غارقون في بناء المخيمات، سيارات الأمن من جميع الجهات الأمنية المشاركة تجوب الشوارع والطرقات، ضجيج وحراك يحاصر محطات القطار، فرق الصيانة والتشغيل تسابق الساعات لتهيئة الأمكنة لقوافل الحجاج؛ هذه ملامح "عرفات" قبل يوم الحج الأكبر، حيث التأكد من جاهزية المخيمات، ومقار الجهات الحكومية، فيما تهيأت فرق الدفاع المدني، والمرور، والشرطة، والجهات الدعوية وأخذت مواقعها، في المشهد العام ل"عرفات" قد تجد حجاجاً سبقوا موعد اللقاء الكبير، حيث تتناثر أعداد كبيرة منهم حول جبل "عرفات"، فمن بين (365) يوما من أيام السنة جاء الإختيار الإلهي ليوم "عرفات"، الذي تكتمل فيه ملامح مشهد فريد قلّ أن يوجد في العالم يمكن وصفه بيوم الحشر السنوي. تلطيف الجو في عرفات هناك مساحات جديدة تم تهيئتها لأول مرة سيتم الإفادة منها؛ وهي عبارة عن تلال جبلية تم تمهيدها، كما تم التأكد من تجهيز الرشاشات المائية وتجريبها وصيانتها، حيث تحول سماء "عرفات" إلى رذاذ صناعي وكأنّها سحابة غائمة لطفت الجو لتصل درجة الحرارة إلى (28) في المساء، كما كان لزراعة أشجار "النيم" الأخضر دور في خفض درجات الحرارة في المنطقة. من جهة أخرى وضعت الجهات الخيرية العاملة في مجال الإطعام الخيري لمساتها الأخيرة لتوفير وجبات الصائمين الجافة والمشروبات الساخنة المجانية لحجاج بيت الله الحرام. جبل الرحمن وتقع "عرفات" بين مكة والطائف، وتبعد عن مكة بنحو (20) كم، تتصف أرضها بالاستواء، وتحيط بميدانها سلسلة من الجبال تنتهي في شمالها بجبل يسمى "عرفة" وقد غلبت تسميته ب"جبل الرحمة"؛ نسبة إلى الرحمة التي ينزلها الله تعالى على عباده في "يوم عرفة"، وهم مخلصون في حبه، وبقلوب مبتهلة، معترفين بذنوبهم، راجين مغفرته، والعودة إلى ديارهم بعد حجتهم كما ولدتهم أمهاتهم.