يتفق الجميع على أن الحج ظاهرة فريدة من زاوية أنه يتضمن أبعاداً عدة في آن واحد، بعداً إيمانياً يتمثل في أداء مناسك الحج، وبعداً زمانياً يتجسد في ارتباطه بفترة زمنية محددة، وبعداً مكانياً يظهر في اقتصار أداء مشاعره ضمن حيز مخصوص، وهو الأمر الذي يجعل لهذه الظاهرة الآثار المتميزة والمتعددة التي يصعب حصرها، سواء أكانت اجتماعية أم اقتصادية أم بيئية أم إدارية أم خلافها من الآثار التي تمتد وتتشعب تفرعاتها. إن من بين تلك الآثار الاقتصادية للحج التي يمكن إلى حد ما رصدها، هو إنفاق الحجاج أثناء إقامتهم على السلع والخدمات التي توفر بشكل أساسي ضمن إطار مدن الحج المعروفة، ومن بين تلك الخدمات الإسكان الذي يمثل الإنفاق عليه نسبة لا تقل عن 35 % من متوسط تكاليف الحج سواء من حجاج الخارج أو الداخل، وهي النسبة التي تتصدر في الواقع ميزانية الحاج، والعائد المتوقع من الحج على المستثمرين في هذا الموسم الديني بالمدينتين المقدستين. لقد أضحى إجراءً معروفاً أن المنازل المعدة لإسكان الحجاج، بناء على اللائحة التنفيذية المنظمة لذلك، يجري الكشف عليها من قبل مكاتب هندسية مؤهلة لهذا الغرض، بعد تقدم ملاكها الراغبين في ذلك، وبموجب التحقق من توفر الاشتراطات الواردة في اللائحة، يتم إصدار التصاريح الخاصة بهذا الشأن، من قبل لجنة الإسكان في كل من مكةالمكرمة والمدينة المنورة كل في نطاق إشرافها الإداري . إن دور تلك اللجان مهم وأساسي، وقد قضى بلا شك على نحو كبير من احتمال وجود مبان سكنية لا يتوفر بها الحد الأدنى من اشتراطات السلامة والأمان، سواء من ناحية كفاءة المبنى الإنشائية، أو توفر وسائل الوقاية من حدوث حريق، أو عدم تلبيتها لمتطلبات الصحة العامة والراحة لمن يرغب إستئجار تلك المباني للحجاج فترة أداء المناسك، لكن تلك اللجان لا تلبي في الواقع الحاجة للقيام بالدور الأشمل الذي يسبق ذلك، وهو دراسة الاحتياج لخدمات الإسكان للحجاج والمعتمرين بوجه عام على مدى الأعوام القادمة، والتخطيط المستقبلي لهذا الاحتياج ومتطلباته وتوفير نتائج تلك الدراسات للمستثمرين الراغبين في سد ذلك الاحتياج، سواء أكانوا ممثلين لصناديق الاستثمار الحكومية، كما هي الحال في صندوق الاستثمارات العامة، المشغل لمشروع الخيام المقاومة للحريق في مشعر مني، الذي يحقق عوائد مالية تبلغ نحو الستمائة مليون ريال سنوياً، أم لشركات ومؤسسات التطوير العقاري، أم حتى الأفراد، والتزامهم منذ مراحل التخطيط والتصميم والتنفيذ بمتطلبات نظام التصريح للمنازل المعدة لإسكان الحجاج، وعلى النحو الذي يعزز العائد الاستثماري الأخروي والدنيوي في آن واحد لهذه الخدمة المقدمة لضيوف الرحمن. إنه دور أساسي ومهم لا ينتظر أو يتوقع أن تعنى به وتؤديه وزارة الحج كما هو جار الآن، وإنما هو مهمة ومسؤولية أخرى جديدة مناطة بوزارة الإسكان المعنية بمختلف جوانب هذا القطاع الخدمي للمواطنين أو الوافدين من حجاج بيت الله الحرام.