ليست ضربة استباقية ولا قراءة في فنجانٍ مقلوب.. إنها المؤشرات تقول ان لا شيء يدعو للأمل. المسلسلات الخليجية للموسم الرمضاني القادم (2013)، تمعن في تجاريتها، والمنتجون (رواد اللعبة المالية)؛ حبكوا القصة سلفاً، نصوص مكررة ومطهية بتوابل مغشوشة ووجوه شبابية و"بناتية" جديدة، بحجة ضخ دماء جديدة، بأجور أقل، أما فن التمثيل والأداء وصناعة الدراما، فهو آخر ما يبحث عنه هؤلاء المنتجون الذين لم يفكروا يوماً في خوض مغامرة تطوير الدراما الخليجية والدفع بها لمنافسة الدرامات العربية، فضلاً عن التركية. إن ما قدم الموسم الماضي من مسلسلات، كان كالعادة، نقياً على مستوى جودة الصورة (بفضل التقنية الجديدة)، ومتأخراً، في بقية عناصر العمل الفني من النص إلى المونتاج، حيث خلا المشهد الدرامي الخليجي في (2012) من مسلسل واحد يمكن أن يصمد عند عرضه بجوار إنتاج عربي مثل المسلسل المصري "الخواجة عبد القادر" أو السوري "رفة عين". ذلك لأن منتجي الساحة الخليجية، لم يخشوا يوماً من المنافسة، بعد ضمان كعكة العرض التلفزيوني لأعمالهم على الفضائيات الخليجية، وبالتالي توقف التفكير في تطوير المنتج الفني، وفق آلية عمل، تعتمد المزاودة "البازارية" على أجور الممثلين والاقتصاد في تكلفة إنتاج المسلسل التلفزيوني. الحقيقة، إن الشكوى من تحكم "تجار الشنطة" في مصائر الدراما الخليجية، بدأ يزعج الفنانين الحقيقيين.. البعض أظهر انزعاجه من مزاودات المنتجين "إذا لم تقبل بهذا الأجر وتشارك في مسلسلي فهناك ممثل جديد أو ممثلة، سيشارك وسيأخذ أجراً كأجرك أو أقل!" هكذا يبتز "تاجر الشنطة" الممثلين المبدعين، لا، بل ويعبث في تقاليد العمل الدرامي، معلياً من أسهم فتاة دخيلة على الفن (موديل) على حساب من دخل فن التمثيل بحب وإخلاص كبير ودراسة أيضاً. وللإنصاف، فإن "المنتج/التاجر" لم يستطع أن يلعب لعبته دون مباركة هذه القناة أو تلك.. إذ أن صناعة النجم، في أسابيع، ستتكفل بها فقط قنوات فضائية فقدت مبكراً، حاسة التمييز بين ما يستحق العرض أو لا. إنها إذن لعبة صناعة النجومية، التي دكت آخر حصون الفن الدرامي.. الرغبة في الشهرة، والربح والانتشار، من خلال مسلسلات خليجية، أنهك جسد الدراما التلفزيونية الخليجية، التي لم تعد قادرة على حمل كل هذا العبء من الفتيات (الموديلات) اللاتي دخلن الدراما تحت قناع (الوجوه الجديدة)؛ معظم هؤلاء يريد أن يصبح ممثلاً للترويج لنفسه، ورفع أرصدته، ضمن لعبة النجومية (أعلاه)، والضحية هنا ليس المشاهد، وإنما قد يكون المشاهد أحياناً متواطئاً في صناعة هذا النجم المزيف والترويج له، منذ قبوله ابتلاع الطعم الإعلامي. ذلك عندما ينشغل الجمهور (على الأغلب المراهقين) بشكل ولبس الفنان/الفنانة، على حساب العمل الفني وما يقدم، لنصل إلى الانحدار العام في الذوق، وهو ما يسود المشهد الدرامي بلا جدال! كل ما نعرفه أن الموسم الدرامي القادم لا يبشر بخير، البعض ممن يحترم نفسه من الممثلين، أخبرنا بأنه قرر التأني، بعد قراءة ما عرض عليه من نصوص درامية، بدت "سخيفة"، ضمن بيئة إنتاج أصبحت تنظر للممثل بوصفه رقماً وليس فناناً.. أبداً. والسؤال: في ظل تراجع المستوى الفني للدراما التلفزيونية الخليجية، وإذا اتفقنا، فعلاً، أن الدراما هي انعكاس حياة، فهل يعني جفاف وإفلاس ما يعرض من مسلسلات هو انعكاس لحياتنا الرتيبة التي بدأ يتراجع فيها الفن والذوق الرفيع؟ لا نريد أن نخرج من حلقة النقاش الفني، فقط يجب أن نتذكر جيداً، أن الفن الدرامي، هو انعكاس ثقافة وحياة مجتمع، استهلاكياً كان أو منتجاً، أما إفلاس الدراما الخليجية، فهو ما سنتحقق منه، حقاً، خلال الموسم الدرامي القادم!