اليوم أُكمل مهمتي كسفير فوق العادة ومفوض لليابان لدى المملكة العربية السعودية. وأود أن أعرب عن عميق امتناني لكل من ساعدني في أداء واجباتي. لقد كانت سنواتي الثلاث هنا مثيرة للغاية. من بين أشياء كثيرة يجب تذكرها، أود أن أشير تحديدا إلى ثلاثة أشياء. أولاً: لقد جذبتني المملكة العربية السعودية كثيراً جداً من نواح كثيرة. لقد جذبتني لأنني أشعر بحكمة ورؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي يقود البلاد إلى مزيد من التطوير والازدهار. أنا أؤيد بشكل خاص مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الأديان والحوار بين الحضارات ليس لأن التفاهم المتبادل والصداقة هي في غاية الأهمية بالنسبة لمستقبل البشرية فحسب، بل لأن اليابان كدولة وأمة ذات حضارة متميزة تؤمن إيمانا راسخا بمثل هذه الحوارات. لقد جذبتني القلوب الدافئة من كل من القيادة والشعب في المملكة العربية السعودية. لقد شعر الشعب الياباني كله بالامتنان من أعماق قلوبهم ويشعرون بالتشجيع والتعاطف والتضامن، والدعم الذي قدمته المملكة إلى اليابان التي تضررت جرّاء كارثة لم يسبق لها مثيل في العام الماضي. إنَ المساهمات السعودية لتحقيق السلام والتنمية في العالم، وخاصة في هذه المنطقة، هي مساهمات لا تُعد ولا تحصى، فقد جذبتني المملكة العربية السعودية عندما بدأت أعرف أنها مختلفة تماما عما تبدو عليه من الخارج. وكلما زادت معرفتي عن الناس، زاد انجذابي وأصبح الرحيل أكثر صعوبة. ثانيا: إن العلاقة بين اليابان والمملكة ذات طبيعة إستراتيجية. ينبغي النظر إليها من منظور طويل المدى. ما يجدر بنا القيام به الآن هو أن نجد بذوراً جيدة من التعاون ونبذرها، ونترك للأجيال القادمة جني حصادها. خلال السنوات الثلاث الماضية، قد تم بذر العديد من بذور التعاون في مختلف المجالات، ليس في المجالات الاقتصادية والتجارية فحسب، بل أيضا في مجالات الرياضة، والثقافة، والتعليم، وتبادلات المجتمع المدني بما في ذلك الشباب، والمجالات الطبية، والدفاع الخ. ونتيجة لذلك، فقد تم توسيع وتعميق نطاق التعاون بشكل كبير. ثالثا: خلال مسيرة التاريخ، فإن كلاً من اليابان والسعودية طورتا خصائص وقيما خاصة بهما بشكل متميز. لقد طور الشعب السعودي صفات مميزة مثل حسن الضيافة والصراحة والتسامح. ومن جانبنا، فقد طوَر الشعب الياباني الإبداع والانضباط والمرونة. وفي رأيي، فإنه إذا ما تمكنا كلينا من دمج هذه الصفات على نحو فعّال، وبالتالي فإننا سوف نكمل بعضنا البعض، سوف نكون قادرين على تقديم مساهمة كبيرة وهامة للاستقرار والازدهار في العالم. إنّ "التكامل" هنا ينبغي أن يكون واحدا من مبادئنا التوجيهية للسنوات القادمة. إلاّ أن الخلافات موجودة، حيث إننا متباعدان جغرافيا أكثر من ثمانية آلاف كيلو متر عن بعضنا البعض. لقد طور كل منا، على مر السنين، شخصيات مختلفة، وهبنا الله طرقاً مختلفة في التفكير، ولدينا ثقافات وتقاليد مختلفة، ونتكلم لغات مختلفة. ولكن أعتقد أنه ينبغي أن تكون هذه الاختلافات جدا بين الشخصيات والثقافات والقيم موضع تقدير حيث إنها تخلق ثراء أكثر للجميع. قال الفيلسوف اليوناني القديم هيركوليس ، إن أجمل لحن هو الذي يولد من الخلافات. في الواقع، على أية حال، قد لا تكون الأشياء بذات السهولة والبساطة مثل القول. يجب التذكير بان الخلافات قد تعني شيئا آخر. لا ينبغي لنا أن نقع في فخ حيث تصبح الخلافات مصادر للاحتكاك والصراع. ولهذا السبب، فإنني أؤكد الالتزام الثابت بالحوار على جميع المستويات، ذاك النوع من الحوار القائم على التعلم المتبادل هو أمر ضروري. وينبغي ألا يقتصر الحوار بالضرورة على تبادل المجاملات، ولكنها تشمل تبادل وجهات النظر المتباينة بشكل حاد. ومثل هذا الحوار يتطلب بالتأكيد الشجاعة والتحمل. إن تأثير هذا النوع من التفاعل الإنساني يمكن له أن يحرك تاريخنا في اتجاه جديد. أعتقد أن اليابان والمملكة العربية السعودية يمكن أن تقدما مثالا جيدا للغاية في هذا الصدد. تقع اليابان والمملكة العربية السعودية على طرفي آسيا، فاليابان تقع في أقصى الشرق بينما تقع المملكة في أقصى الغرب من قارة آسيا. في غضون عشر سنوات، أود أن أرى نطاق تعاوننا الثنائي أكثر اتساعا وعمقا وتنوعا. إنني أحلم بقوس قزح من الشراكة، التي تربط بلدينا عبر القارة الآسيوية. إنني حزين لمغادرة المملكة العربية السعودية التي جذبتني كثيرا، ولكنني سعيد أن أغادر وأنا أحمل الكثير من الذكريات الرائعة. وأخيرا، أتمنى لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز،وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد موفور الصحة والعافية ودوام التقدم والازدهار. * السفير الياباني لدى المملكة