مع وجود خط هاتفي واحد فقط تبث إذاعة (ناري) إرسالها من كوخ خشبي داخل قاعدة أمريكية لكنها أثبتت أنها تحقق نجاحا كبيرا غير متوقع في واحدة من أكثر مناطق أفغانستان اضطرابا مع وجود قاعدة من المتصلين تشمل حتى الأعضاء في طالبان. تأسست إذاعة (ناري) في إقليم كونار بشمال شرق البلاد على سفح تلال هندو كوش للوصول إلى المجتمعات البعيدة في الأودية الواقعة أسفل الممرات الشاهقة إلى جانب باكستان بما في ذلك نوريستان معقل المسلحين على بعد نحو 30 كيلومترا إلى الشمال الذي نادرا ما تصل إليه القوات الأمريكية. لكن مع مزيج من الموسيقى والسياسة في منطقة تعاني الفقر حيث لا تزال الإذاعة هي وسيلة الإعلام الرئيسية حققت (ناري) نجاحا غير متوقع للقوات الأمريكية التي تحاول مواجهة تمرد لا يزال قويا قبل شهور من تسليم المسؤولية الأمنية للقوات الأفغانية. جلس اللفتنانت كولونيل سكوت جرين من الجيش الأمريكي إلى جانب مسؤولي الحكومة والأمن المحليين أمام ميكروفون واحد في إذاعة (ناري) على مائدة طعام ليدافع عن القوات الأمريكية بينما اتصل شخص مجهول وأطلق وابلا من الشكاوى. ابتسم قائد القوات الأمريكية في المنطقة ابتسامة ساخرة بعد أن سمع المتصل يقول « لماذا تواصلون إطلاق المدافع وقذائف المورتر على الجرف فوق قاعدتكم. هل تحاولون حفر بئر؟ هل تبحثون عن مياه ينابيع؟ ورد أحد المترجمين الأفغان الذين يترجمون لجرين قائلا « أعتقد أن هذا الشخص ربما يكون من طالبان. ويقول المراسل الوحيد لإذاعة (ناري) ضياء الدين برهاني إن المحطة ذاع صيتها بسبب حيادها والناس هم الذين يختارون الموضوعات التي يريدون مناقشتها سواء قضايا دينية أو سياسية أو أي قضية أخرى وكذلك الموسيقى التي يحبون الاستماع إليها. ويقول «لدينا برنامج اسمه السلام.. حول كيفية تحقيق السلام في مجتمعنا. يقدمون لنا آراءهم ونحن نذيعها». ولم تتوفر حلول تذكر لمنطقة معروفة بانقساماتها لأسباب قبلية أو عرقية والتي ينقل عبرها المسلحون الأفراد والإمدادات من القاعدة في باكستان أو من داخل منطقة مساحتها أربعة كيلومترات لا يمكن طوال الوقت تقريبا أن تصل إليها قوات حلف شمال الأطلسي لمنع الاشتباكات المتقطعة عبر الحدود. لكن جرين الذي وصل لأفغانستان لأول مرة في بداية الحرب عام 2001 يقول إن الإذاعة أتاحت للناس للمرة الأولى الاتصال من منازلهم والتعبير عن آرائهم دون ذكر أسمائهم. وأضاف «هذا يمثل تحديا لأنني لا أعرف أبدا ما الذي سيتحدثون عنه أو يستفسرون بشأنه، ربما كان هذا أكثر الأشياء المثيرة للأعصاب.. وأنا قضيت نحو 20 عاما في الجيش». أغلبية المتصلين يفعلون هذا للشكوى من تطويق طالبان لأودية نائية نادرا ما تصل إليها قوات أفغانية أو الجنود التابعين لجرين الذين سيكونون آخر قوات قتالية أمريكية تتمركز بشكل دائم في شمال كونار مع بدء الانسحاب المقرر للقوات في أكتوبر «تشرين الأول». قال متصل من قرية باز جال إلى الجنوب من مقر كتيبة جرين في قاعدة بوستيك الامامية للعمليات «بدأت طالبان عمليات التفتيش لمنازلنا ولا تميز بين الأشخاص الذين يستحقون ذلك ومن لا يستحقون. إنهم يطلبون من الجميع الانضمام إلى صفوف طالبان». وأضاف المتصل «إنهم حتى ليسوا طالبان أصليين، إنهم باكستانيون، إنهم لا يتحدثون (لغة) الباشتو.. نحن نطلب من قوات الأمن الأفغانية وقوات التحالف المجئ والتدخل. نحن ندعمكم بشكل كامل». ويقول برهاني ومدير المحطة غلام رحيم إن نحو 80 في المئة من المتصلين يثيرون شكاوى بشأن اتساع نطاق عمليات المسلحين وتدهور الوضع الأمني أو الشكوى من عجز السلطات عن توفير المدارس والطرق والمراكز الطبية. وقال رحيم في إشارة إلى قوات الامن الافغانية وحلفاءها من حلف شمال الاطلسي «كما يتصل بنا أفراد طالبان هاتفيا وينقلون تساؤلاتهم من هواتفهم، تستغل طالبان هذه المحطة كوسيلة لتحذير السكان المحليين مما يفعلونه أو للتحدث عن الحلول المتاحة ومقارنتها بحلول قوات الأمن الأفغانية وقوات التحالف». ومع نجاح المحطة أصبحت هدفا للمسلحين الذين يشنون هجمات صاروخية منتظمة على قاعدة جرين من المناطق المحيطة. وبعد هجوم في 18 مايو»ايار» ضرب مخزنا لذخيرة المدافع هاوتزر وتسبب في انفجار كبير أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين أظهرت اتصالات تم التنصت عليها لمقاتلين أفغان أنهم كانوا يتساءلون عما إذا كانت المحطة دمرت خلال الانفجار. وقال جرين «كونهم يعتبرون أن هذا مهما لدرجة تستدعي بحث الرغبة في تدمير محطة الإذاعة فانه يعني من وجهة نظري أننا حققنا الأثر الذي نسعى له وهو التواصل مع الناس». لكن رحيم قال إن سكان المنطقة يشعرون بالقلق من الخطط المتسارعة لتقليص حجم قوات حلف الأطلسي قبل الانسحاب الكامل للقوات القتالية في 2014 خشية اندلاع موجة جديد من العنف بين قبائل كونار ونوريستان المتناحرة. وقال «نتوقع أن يضغط المجتمع الدولي على حلف الأطلسي لعدم سحب قواته قريبا، إذا انسحبت مرة أخرى فسيقع المزيد من القتال، ستبدأ مجموعات مختلفة في قتل المعارضين مرة أخرى». ومضى يقول «يتضح من خلال التاريخ أن الأفغان ينتقمون من بعضهم بعضا». المايكرفون أداة التواصل السريعة في كل الظروف بين المرسل والمتلقي