استطاع أبناء الوطن أن ينزعوا ثقافة عادات بالية عيّبت عليهم خدمة الناس من خلال مهنة "مضيف طائرة".. حتى أصبحت المهنة عاماً بعد آخر من المهن التي يخضع موظفوها إلى دورات تدريبية باستمرار على كيفية الحفاظ على سلامة وأمن ركاب الطائرة، وطرق التعامل مع فئات وجنسيات مختلفة من الركاب، وباتوا يتقنون امتصاص غضبهم بابتسامة حيناً، وتلبية طلبات في أوقات أخرى، ونقل مقاعد من مكان إلى آخر؛ إما بعذر مقنع، أو بدون، ناهيك عن عينات لا تخلو منها كل رحلة.. لا تنتهي طلباتهم، و"لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب" فما أن يعبر أحد طاقم المضيفين إلاّ ويبادرونه بوابل من الأوامر من منطلق "بفلوسي"، وثقافة "حلّل تذكرتك".. دون أن يفكروا في أن هؤلاء المضيفين لم يوضعوا في هذا المهمة إلاّ لخدمة كافة الركاب، دون أن يتفّرغ أحد منهم لتلبية مطالب لا تنتهي لراكب واحد.. "الرياض" عبر هذا تحقيق تسلّط الضوء على طبيعة عمل المضيفين، في مهمة "رفع وعي" فئة قليلة من الركاب لا يحسنون التعامل مع طواقم المضيفين في الطائرات. برنامج متكامل في البداية، أوضح "عبدالله بن أحمد الحسيني" -مساعد المدير العام للخدمة الجوية في الخطوط الجوية السعودية- أنه بناءً على دعم الأمير فهد بن عبدالله -رئيس الهيئة العامة للطيران المدني-، وموافقة معالي المهندس خالد بن عبدالله الملحم المدير العام للمؤسسة العامة للخطوط الجوية العربية السعودية؛ قررت الإدارة التنفيذية العمل خلال هذا العام عمل برنامج متكامل لاستقبال الشباب السعوديين للعمل كمضيفين على متن الخطوط السعودية، لتدريبهم على الانضباط وتحسين المظهر العام في دورات لمدة سبعة أسابيع. وقال إن المقبولين سيدرسون الطيران باللغة الإنجليزية، وسيتاح قبول خريجي الثانوية العامة والجامعة، وفق أسس ومعايير ودرجات تحفظ لكل ذي حقٍ حقه، كما سيخضع المقبولون لمقابلات دقيقة مع أطباء نفسيين؛ للتأكد من مدى قدرتهم على الانضباط والتعامل مع جمهور المسافرين؛ بهدف إيجاد رواد متمكنين لإدارة الرحلة، خاصة أن هؤلاء الملاحين مسؤولين عن سلامة وأمن الركاب على متن كل رحلة، في حين أن الملاح غير المدرك لهذة الأمور قد يؤدي إلى فشل الرحلة؛ وبالتالي ينعكس هذا العمل على سمعة أي شركة طيران يعمل بها؛ مما يزيد من أهمية التأسيس الجيد لأي مضيف ومضيفة. وأضاف أن "ثقافة السفر" مطلب ملح يجب أن تشكل شركات الطيران دوراً بارزاً في تكوينها للمسافرين والمجتمع عموماً، لبيان ما يحتاجه الفرد من أدوات ومعاملات، إلى جانب دور وسائل الإعلام في بث الوعي بين المسافرين، لإيضاح أن الملاح يؤدي دورا كبيرا لإنجاح أي رحلة جوية، ويبذل جهداً كبيراً داخل الطائرة من ناحية السلامة والأمن، إضافة إلى التعامل مع الحالات الصحية التي قد يتعرض لها بعض الركاب. وأشار إلى أن مضيفي الخطوط على قدر عال من التأهيل والتدريب، بما يُمكنهم من التعامل مع أي حدث داخل الطائرة بدقة عالية لخدمة جميع المستويات من الركاب، مبيناً أنه لا يدّعي عدم وجود بعض الإخفاقات التي تحدث نادراً، وتتم دراستها وتحليلها وإيجاد الحلول المناسبة لها، من أجل إيجاد رحلات عالية المستوى وفق تقييم الخبراء في هذا المجال، ذاكراً أنهم يسعون إلى تكريس هذا النجاح من خلال اختيار برامج شهرية وربع سنوية لتكريم أفضل الملاحين وفق معايير التميز في الخدمة والالتزام بالمواعيد والقدرة على التحمل والتواصل مع الراكب؛ لتحقيق أفضل نسبة نجاح في خدمة العميل بناءً على معايير شركات الطيران. إزعاج المضيفين وعن مدى إزعاج بعض الركاب للمضيفين على متن الطائرة، لفت "الحسيني" إلى أنهم ينظرون إلى عملاء الخطوط السعودية أنهم عملاء مميزون، ودائماً يقفون إلى جانبهم، ويعتبرون الراكب على حقٍ إلى حد كبير، لكن في الوقت نفسه لا يقبلون الإساءة المتعمدة بحق أي مضيف أو مضيفه؛ لأنهم واثقون أنهم يجسدون دوراً كبيراً في خدمة الراكب الذي يبذل جهداً شخصياً حتى يتمكن من الحجز وشراء التذكرة إلكترونياً والحصول على كرت صعود الطائرة إلكترونياً، وقد يواجه بعض المصاعب في الطريق أو في المطار، أو ربما تأخر رحلة الطائرة؛ مما يشكل شحناً نفسياً لدى بعض الركاب عندما يدخلون إلى الطائرة ويواجهون الملاحين. وأضاف أن بعض الرحلات تمتد إلى أكثر من 15 ساعة؛ مما يجعلهم يحرصون على أن يكون المضيفين على قدر كاف من الثقافة والتأهيل لامتصاص إنفعال الركاب في حالة حدوثه، إلى جانب مواجهة أي ظرف، وفق ما تسعى إليه الخطوط نحو تطويره في الوقت الحاضر والمستقبل. اختلاف الأمزجة ولتسليط الضوء أكثر على الحياة العملية والمهنية للمضيفين، التقت "الرياض" ب"طارق عطاس" -مضيف ومشرف منذ أكثر من 25 عاماً-، حيث قال إنه التحق بهذه المهنة دون أن يخبر اسرته وجدته التي كانت تعارض أن يعمل مضيفاً في الطائرات، مبيناً أن هذه المهنة أصبحت مرغوبة من قبل الشباب، حيث تتيح لهم التعرف على مختلف مناطق المملكة، والعديد من دول العالم الخارجي، إضافة إلى تدريب مستمر على سلامة الركاب والطائرة. وقال إن التعامل مع الركاب في الماضي يتم ببساطة وسلاسة أكثر من الوقت الحالي؛ حيث ازداد عدد الركاب، واختلفت أمزجتهم، وطلباتهم؛ مما زاد العبء على الملاحين والمضيفين في كل رحلة قد يصل عدد ركابها إلى ما لا يقل عن (400) راكب، تتطلب معاملتهم صبراً أكثر وسرعة في حل أي إشكالية قد تؤدي إلى تعكير صفو الرحلة، وهو ما يتم دعمه من خلال "إدارة الخدمة الجوية" بكل إمكانياتها؛ رغبة في تحقيق رضا العملاء. وروى موقفاً طريفاً حصل له ذات رحلة قبل أكثر من (20) عاماً، حيث كان من ضمن ركاب الطائرة رجل كبير في السن، وعندما وجد الطائرة مفروشة بالموكيت، ترك حذاءه عن باب الطائرة، ودخل بحثاً عن مقعده، وعندما أقلعت الطائرة، طلب منه أن يحضر حذاءه من عند باب الطائرة، وبقي صامتاً حتى آخر الرحلة!. الكلمة الطيبة وأكدت "سناء تفرادين" -مضيفة منذ أربع سنوات- على أن الطريقة المثلى للتعامل مع الركاب هي الكلمة الطيبة والابتسامة مع الركاب؛ كونها تمتص كثيرا من الشحنات والضغوط التي يعيشها بعض الركاب، مبينة أن كثيرا من الركاب أصبحوا يعرفون قوانين الطيران، وما لهم، وما عليهم من حقوق وواجبات؛ مما قلل نسبة الإشكاليات في التعامل مع الركاب؛ نتيجة ارتفاع الوعي، حتى أصبح كثير من الركاب يتعاملون مع الطاقم المضيف باحترام كبير لمعرفتهم أنهم لم يوجدوا إلاّ لخدمة الركاب والحفاظ على سلامة الطائرة، والبحث عن ما ييسر الرحلة. طلبات كثيرة وذكر "أشرف أبو الخير" -مضيف منذ تسع سنوات- أنه على الرغم من ارتفاع مستوى الوعي لدى الركاب، إلاّ أن بعض الركاب منذ أن يدخل الطائرة وهو منهك أو غاضب ولا يتوقف عن الطلبات للمضيف، دون أن يقدّر أن على المضيف واجبات أخرى لخدمة الركاب الآخرين، مبيناً أنهم يتعاملون مع هذه الحالات من خلال امتصاص شحنات غضبهم بالتعامل الطيب، لافتاً أنهم يواجهون مشكلة التدخين من قبل البعض؛ خاصة في الرحلات الطويلة في ساعات السير. تغيير المكان وبيَّن "نبيل السليماني" -مضيف منذ 26 سنة- أنه لم يشعر بالملل من مهنته؛ لأنها متجددة وتواكب التطورات التي يشهدها عالم الطيران، مبيناً أن الإشكاليات يسهل حلها، حتى وإن كثر عدد الركاب، وازدحمت الرحلات بالمسافرين، وترتب على ذلك بعض المضايقات من قبل البعض عندما يريد تغيير مكانه، ويطلب السرعة في تلبية طلباته وهذا لا يمكن أن يتم في الرحلات المزدحمة، مشيراً إلى أنهم يحاولون بقدر الإمكان التفاعل مع الركاب وامتصاص أي ضغوط تنتج عنهم، لأنها مسئوليتهم بالدرجة الأولى إلى جانب توفير الراحة للمسافر. وقال إن كثيرا من الركاب يقدرون الجهود المبذولة من قبل المضيف أو المضيفة على متن الرحلة، منوهاً أنه على الرغم من السنين الطويلة التي مرت على التحاقه بالعمل كملاح، مازال يشعر بالفخر بهذة المهنة، لأن فيها خدمة للناس، حيث تعلّم من الناس كيفية التعامل معهم الشيء الكثير، فضلاً عن تطوير أنفسهم بكل ما يستجد في المهنة، ذاكراً أن من المواقف الطريفة التي مرت على فترة عمله، أن أحد الركاب عند صعود الطائرة ضغط على زر الخدمة، وطلب منه أن يكلم "كابتن الطائرة" لأنه نسي مفتاح السيارة ويريد أحداً أن يجلبه إليه!. رؤية العالم وذكر "حسن بخاري" -مضيف منذ سبع سنوات- أن عمله أتاح له رؤية مواقع مختلفة في العالم، مبيناً أنه استفاد من عمله من خلال التأهيل المستمر، إلى جانب توفّر الحوافز المادية والمعنوية. وأوضحت "يار محمد" -مضيفة منذ سنتين- أنه أن عملها يشعرها بالفخر، كونها تخدم الركاب، إلى جانب أنها تعلمت على الانضباط في الحياة، إضافة إلى كيفية التعامل مع كافة مستويات الركاب وفق شعار "الصبر" الذي يمنحهم القدرة على معالجة أي إشكالية بعيداً عن الإنفعالات، وفقاً لما تم تأهيل الموظفين عليه في هذا المجال. الحسيني متحدثاً ل «الرياض» عدد من مضيفي الخطوط السعودية أثناء حديثهم للزميل "الرويس" ارتفاع وعي الركاب أسهم في انسيابية سير معظم الرحلات احتواء مشكلات الركاب وحلها بابتسامة نتاج دورات تأهيلية مستمرة حسن بخاري سناء تفرادين نبيل السليماني يار حسين