تسيطر على السياسة العربية نظرة قطرية وإقليمية وشخصية بحيث لا تفهم كيف يسود الاتفاق بين نظام وآخر ثم يتوتر ويصل إلى حرب إعلامية ومقاطعة، ولا تعلم كيف ولماذا نختلف ونتفق مع السياسات الدولية، إما لسبب الانحياز ضد اتجاه عربي، ودولي أو تبعية غير معلنة، وقد رأينا في معظم الأحداث تناقضات حادة رغم أنها تتعلق بالمصير العربي وأمنه ومصالحه؟ لنأخذ عدة أمثلة من حالات الانقسام بين هذه الأنظمة، وكيف أنها لا ترى الصورة كاملة، بل تجزئها وتراها بعدة ألوان وأشكال، ولعل اجتياح قوة صدام للكويت كشفت تناقضات عجيبة، ففي حين اعتبرت سابقة في النظام العربي والعالمي احتلال دولة عضو في الجامعة العربية والأمم المتحدة، ومنظمات عديدة، وجدنا من تحالف مع صدام ليس حبًّا فيه ولكن كرهاً بالكويت، وهي التي لم تسيء لأي بلد عربي، فقط لأنها غنية ونجحت ديموقراطياً بما لم تصل إليه من علقت جرس الحرية من خلال نظام الحزب الواحد أو العسكر، فكان الألم للمواطن الكويتي مريراً، ومع ذلك لم يذهب بعد التحرير للمقاطعة أو وقف المعونات والدعم المادي.. في الحالة الفلسطينية نفس الوضع، هناك من يشايع حماس وأنها من فصيل الممانعة والمقاومة، واستطاعت أن تقاوم إسرائيل، وآخرون تحالفوا معها لأسباب سياسية كالموقف الإيراني - السوري، ثم بعد تخليها عنهما بدأت ردات الفعل تصفها وقادتها بالوقوع في أحضان إسرائيل، وطرف عربي آخر وجد في السلطة الممثل الحقيقي والمعترف بها دولياً والوصول بالسلام إلى النقطة المقبولة مع عدو شرس أصبحت الحرب معه مستحيلة لفارق القوة والتأييد الدولي لإسرائيل.. لبنان في حربه الأهلية دخل في عمق الانقسامات العربية، فكل طرف عربي يدعم مليشيات مسيحية أو إسلامية سنّية أو شيعية، أو أخرى مما كشف عمق المأساة العربية فبدلاً من حصر القضية في نطاقها الضيق والعمل على إيقاف الحرب، صار هناك من يغذيها لأهداف مصلحية ضيقة مما جعل لبنان يواجه مصيره وحده ويحل قضيته بالتراضي، لأنه علم أنه ساحة حرب مع إسرائيل وقوى دولية أخرى استغلت ضعف جبهته الداخلية لتفجير الحرب.. وكما هو سير السياسة العربية أثناء الحرب الباردة، أصبحت سوريا الراهنة ميدان سباق بين مؤيد للسلطة التي تقتل شعبها وبين من يؤيد مطالب الشعب حصوله على حريته ودعمه مادياً وعسكرياً، والغريب أن الدول المؤيدة للنظام لا تنطلق من حس المسؤولية الوطنية والقومية بحيث تفهم الأدوار التي لعبها النظام ضد المصالح العربية وكان يعلن شعارات يكذبها سلوكه عندما حول لبنان إلى إقطاعية والفلسطينيين إلى عدة دولارات والصمت على كل ما تقوم به إسرائيل إلا ما يجري من هذيان إعلامي، بينما الوقائع الحديثة كشفت عن أسرار تلاقي الأهداف بينهما، ومع ذلك فالعجز العربي مواجهة واقعه بسلوك المسؤولية الحقيقية صار همًّا أو مرضاً لا يمكن معالجته بالمسكنات طالما يحتاج إلى جراحة شاملة..