عام 1974م زرت لبنان لأول مرة بصحبة الزميل العزيز الشاعر محمد أحمد حساني.. وأزعم أننا عشنا هناك «خمسة» من أجمل الأيام.. عرفنا خلالها كل معالم لبنان السياحي الذي كان حينذاك قبلة الشرق والغرب.. وأهم محطة سياحية في الشرق الأوسط.. أما سبب تجوالنا في معظم المناطق فيعود إلى أن الرحلة كانت «صحفية».. حفل برنامجها بالكثير في الليل والنهار.. وهي صحفية لسبب بسيط جداً.. فقد كتب صحفي خليجي منتقداً عدم التزام شركة الطيران اللبنانية بالمواعيد مما تسبب لها في أعطال مادية ومعنوية.. فقررت الشركة - حرصاً على سمعتها - دعوة وفود صحفية من كل دولة خليجية.. خاصة وأن رحلاتها لدول الخليج لا تقل عن ثلاث رحلات يومية من كل دولة.. وكنت أعرف رجال أعمال يبدأ برنامجهم اليومي في بيروت ويعودون للعشاء في منازلهم مساءً.. ولعدد من الأيام في الأسبوع.. وذلك للأهمية الاقتصادية والتجارية التي كان يحظى بها لبنان كمحطة ربط بين الشرق والغرب. كانت سوريا حينها خارجة من حرب اكتوبر 1973 والشارع يموج بصدى تلك الانتصارات التي تحققت للعرب.. ومصر السادات تموج بالتحركات السياسية بين اليمين واليسار مما جعلنا نلتقي في بيروت بعدد لا بأس به من المثقفين السوريين والمصريين على غير موعد سوى تواجدهم شبه الدائم في مقهى «الهورس شو» في شارع الحمراء.. والذي يندر أن تجد فيه مقعداً خالياً، كنا بصحبة المرحوم فاروق البقيلي الذي يعرف الجميع فعرفنا على المرحوم الناقد الشهير غالي شكري والمرحوم الناقد خلدون الشمعة.. وإن كنا لم نقرأ مؤلفاتهما بسبب منعها من دخول السعودية.. إلا أننا قرأنا لهما ما يكفي ليجعل التواصل بيننا إيجابياً.. ثم أخذنا «البقيلي» لمجلة «الدستور» والتقينا رئيس تحريرها الأستاذ «علي بلوط».. حيث كان غالي شكري يعمل بها أيضاً ويعمل على اصدار مجلة تدعى «الشرارة».. أخذ مني غالي قصة.. فيما أودع الحساني ديوانه الأول «رسائل إلى فدوى طوقان» لدى دار العودة على أمل صدوره من هناك.. بعد خروجنا من «الدستور» عرفنا أنها كانت معادية للسعودية.. وبعد أن أخذ غالي قصتي عرفنا أن مجلته مكرسة لليسار المصري المتطرف. نشرت قصتي بعد أن تدخل فاروق ونزع اسمي من عليها.. وعدنا وقد اتفقنا، الحساني وأنا على أن «نكتم» على الموضوع ولا نقول لأي مخلوق حتى لأنفسنا أننا زرنا الدستور والتقينا علي بلوط. ودارت الأيام.. بنا وبهم.. ومازالت تدور.. ونحن نتفرج كثيراً.. ونشارك قليلاً.