لعبت القوات المسلحة دورا مهما في تدعيم مشروع بناء الدولة السعودية الحديثة، منذ اللحظة الأولى لتكون نواتها عام 1902، عند دخول الملك عبدالعزيز إلى الرياض، حيث تدافع الناس طواعية للمشاركة معه، وكان كل واحد منهم يحمل سلاحه وعتاده وزواده من التمر، للانضواء تحت رايته التوحيدية، مشكلا من هؤلاء المتطوعين قوى متنوعة، لكل منها راية لها لون مختلف، ومهام مختلفة، شكلت بداية تحقيق حلم الملك لتأسيس دولة لها جيش قوي، يتصدى لأي اعتداء خارجي، ويؤمن مسيرة الحجاج، ويحقق لها أمنا لحدودها، من شأنه أن يعزز من فرص نجاح الحركة في ضمن وتوحيد مختلف مناطق شبه الجزيرة العربية المترامية الأطراف. تكوين متين في عام 1925 كان هنالك توجه قوي نحو تشكيل أكثر تعقيدا للجيش، قبل أن يتم الإعلان عن تأسيس المديرية العامة للأمور العسكرية عام 1930، بعد أقل من عام على معركة السبلة ضد أعداء الداخل، حتى عام 1932 الذي تم فيه الإعلان عن قيام المملكة العربية السعودية، حينها أصدر الملك عبدالعزيز توجيهاته بتشكيل قوة عسكرية نظامية خاصة، وهي السنة التي تم فيها اكتشاف النفط بكميات تجارية، لتكون الانطلاقة المهمة، حيث ساهم توفر النفط في دعم خطط الملك عبدالعزيز. وعزز من فرص نجاحه في تحقيق هذا العنصر الأساسي في تأسيس القوة العسكرية، الاستعانة بكفاءات لها خبرتها، ومن ضمنها فوزي القوقجي، المقاوم الهارب من مطارد قوات الاحتلال الفرنسية للبنان، وصولا حتى عام 1944، مع إنشاء وزارة الدفاع، والتي كانت نقطة التحول الحقيقية في هذا المشروع، الذي أصبح عنصرا حاسما في نقل الدولة إلى تحقيق أحلامها الخاصة بالتنمية، والتحول إلى الدولة المدنية، رغم أن القوات كانت تتشكل في بدايتها من قوة المشاة والمدفعية والحرس، ثم ظهرت التشكيلات كالفرق والأفواج في مرحلة لاحقة، وتم إنشاء رئاسة الأركان وأسندت رئاستها للمقدم محمد طارق الأفريقي، ليكون أول رئيس للأركان. حماية الدولة عمل الجيش السعودي منذ تأسيسه على حماية الدولة من التحديات الإقليمية المحيطة، وساهم في ذلك جهد الأمير منصور بن عبدالعزيز، الذي كانت له رؤيته الخاصة في تطوير القوات المسلحة. فهو الذي أمن حدود الدولة من التعديات في واحة البريمي، ووضع ثقلا وقدرة تمنع أعداء الأمس في تركيا ومصر، من تكرار تجربة التصدي للمشروع السعودي. كما أنه كان شريكا في دعم التوجهات العربية للتحرر من الدول الاحتفالية، كبريطانيا وفرنسا، ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي في كافة مراحله. فلا يمكن إغفال الدور السعودي في حرب 1948، حيث تذكر المصادر التاريخية الفلسطينية زيارة الأمير مشعل بن عبدالعزيز إلى غزة لمتابعة عمل القوات السعودية في الجبهة. ولا تزال جثامين شهداء الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي من الجيش السعودي شاهدة على موقف السعودية الثابت من القضية، والأمير مشعل استغل كافة الخبرات المحلية والعالمية لتطوير الجيش السعودي، وكان من أعوانه حينها اللواء علي زين العابدين (مواليد مكةالمكرمة 1931، وتوفي عام 2007) الذي يعتبر أحد أهم مؤسسي ومطوري القوات المسلحة السعودية، وهو أديب يلقب ب(شاعر الجيش). الجيل المؤسس كان زين العابدين قد نال البكالوريوس في العلوم العسكرية من الكلية الحربية المصرية ليلتحق بسلاح المدرعات، ثم ابتعث إلى الولاياتالمتحدة ليحصل على دراسات عليا في التخصص العسكري، بعد ذلك تولى عدة مناصب عسكرية منها تعيينه آمراً للمدرسة العسكرية عام 1952، بناء على توجيه الأمير مشعل بن عبدالعزيز، حينها عمل جاهداً على تطويرها، وأضاف إلى برامجها جملة من المواد المهمة، مثل: القانون الدولي، والاقتصاد الحربي، وهندسة السيارات، والتكتيك الذي كان يسمى (تعبئة)، وكان خليطاً من هندسة الميدان والجغرافيا، كما أعاد تصميم تدريس الجغرافيا العسكرية، وطور تدريس التاريخ العسكري. ومن الوظائف العسكرية التعليمية التي ابتكرها لأول مرة وظيفة (كبير المعلمين)، التي عين عليها علي الشاعر وزير الإعلام السابق، الذي كان نقيباً آنذاك. كما أسس مدارس الأبناء (التي تهتم بتعليم أبناء العسكريين)، ومن الوظائف التي أدخلها أيضاً وظيفة أركان حرب الوحدة (وهو المتحدث والآمر باسم القائد)، ثم عمل على تأسيس الكلية الحربية التي كان مقرها الطائف، ثم تم نقلها إلى الرياض تحت اسم كلية الملك عبدالعزيز الحربية. كما تولى مهمة مدير الصحة العسكرية، ثم رئيس هيئة العمليات الحربية وعضو القيادة العربية المشتركة بالقاهرة. ليعين بعدها ملحقاً عسكرياً في السفارة السعودية بباريس، ويعود ليكون قائداً لمنطقة مكة العسكرية حتى تقاعده. وتكمن أهمية سرد هذا التاريخ، لمعرفة مراحل تطور بناء الجيش من الداخل، والقدرات التي اعتمد عليها، والتي آمنت بأهمية العنصر البشري وتعليمه وتثقيفه وتدريبه، إضافة لتجهيز الجيش بالقوة المادية والمعدات الحديثة. من التوطين إلى الابتعاث لا يمكن بعد الحديث عن ابتعاث زين العابدين، إلا الحديث عن دور القوات المسلحة الذي تطور من مرحلة توطين البادية إلى الابتعاث والاستثمار في العقول الوطنية، وكانت الأرطاوية أول هجرة تؤسسها الدولة السعودية الحديثة لاحتواء البادية وتوطينها في مدن وقرى وهجر، لإدخال المدنية الحديثة إليها، وتوفير الخدامات التعليمية والصحية والأمنية لهم، وإخراجهم من حياة الرعي والترحال، التي كانت تحرمهم من مميزات مهمة في الدولة المدنية، التي يمكن من خلالها توفير الحياة الكريمة للمواطن. وساهمت القوات المسلحة في هذا الجانب من خلال التوظيف للعناصر العاملة فيها من جانب، ومساعدة أبناء البادية على التأقلم مع الواقع الجديد. فكانت القوات المسلحة تعمل على مساعدة أهل الهجر، خاصة وأن وزارة الدفاع اتجهت في مرحلة متقدمة لإنشاء المدن العسكرية، التي ساهمت في دعم اقتصادات المناطق التي أنشئت بها، ومساعدة أهالي المناطق المحيطة بها للتأقلم من متطلبات الحياة المدنية. استثمار العقول مع مرور الزمن وتراكم الخبرات، وتطور المعارف الحديثة، تحول الجيش إلى عنصر حاسم في دعم التنمية والاستثمار في العقول، من خلال حملة واسعة للابتعاث، خاصة إلى دول العالم المتقدمة مثل بريطانيا وأميركا، حيث نجحت في نقل المعرفة وتطوير حياة الأفراد وأسرهم في مرحلة لاحقة. حيث اهتمت وزارة الدفاع في تأسيس المدارس لأبناء منتسبيها من الجنسين، ثم المستشفيات العسكرية التي ساهمت أيضا في ترقية مستوى الحياة المدنية للعسكري والمدني من خلال تجهيزها بمستويات عالية من التقنيات وصولا إلى مشروع الإخلاء الطبي، ولا يمكن هنا إغفال مشاريع التقنية التي نجحت كجزء من مشروع الخزن الاستراتيجي في تطوير قطاع التصنيع الحربي التقني السعودي، وتصنيع الذخيرة والأسلحة والذي تصدر بعضه إلى أميركا كرادارات الطائرات الأميركية وأجهزة التوجيه الليلي للدبابات الأميركية وغيرها من القطع التي تصدر إلى بريطانيا وفرنسا، ليكون هناك جوائز للاختراعات لمنسوبي القوات المسلحة. الصيغة الوطنية كانت لحركة التنقلات للعاملين في السلك العسكري من منطقة إلى أخرى في إلغاء الاختلافات بين أبناء القبائل والمناطق التي كانت في الماضي وقبل الدولة السعودية لا تلتقي عادة في أفضل الأحوال إذ لم تكن بينها عداوة وثأر وحروب وغزوات، فكانت حركة تنقل العامل في المنطقة الشمالية إلى الجنوب السعودي ومن الجنوب إلى الغربية أو الشرقية أو الوسطى ولعدة سنوات فيها الكثير من كسر الحواجز الثقافية بين أبناء المناطق وقد ساهم التعليم في تكرار التجربة وفي القطاع الأمني لتكون النتيجة مهمة على مستوى إيجاد مفهوم وطني واحد للدولة الحديثة تذوب فيها جميع معطيات المجتمع بالرغم من حفاظها على تنوعها الثقافي. كما ساهمت مشاريع الإسكان للعسكريين في إيجاد نوع من التآلف الاجتماعي بين ساكني هذه المشاريع التي كانت في الواقع تجمع عينات متنوعة من مختلف مناطق المملكة، وقد ساهم ذلك في فرض مفهوم من التوافق والتلاقح الاجتماعي نجح في النهاية في صياغة شكل ومفهوم موحد للمواطنة على مصلحة الوطن وحماية مصالحه. المشروع الاجتماعي جاء إنشاء الحرس الوطني عام 1955 بالاعتماد على أبناء البادية لدمجهم في العملية التنموية والاستفادة من قدراتهم على التعامل مع مختلف الظروف الجغرافية لفرض الأمن على مختلف مناطق المملكة، فكان هذا الجهاز وطوال سنوات طويلة عنصرا مهما على مستوى العمل العسكري كما حصل عند تصديه للقوات العراقية التي دخلت إلى جديدة عرعر ورفحاء في الشمال السعودي أثناء حرب تحرير الكويت، وقدرتهم على المساهمة في العمل الأمني بعد تفجيرات 2003 حيث أسندت لهم حماية المقرات الحساسة المستهدفة من قبل العناصر المسلحة. للثقافة مكانها الحرس الوطني وفي سياق دعمه للمشاريع الثقافية، واستقطاب المثقفين العرب والأجانب لزيارة المملكة، تبنى مهرجان الثقافة والفنون في الجنادرية، والذي حوله إلى أحد أبرز المظاهر الثقافية والتراثية في العالم العربي، ليكون بذلك تحولا في مفهوم القوات المسلحة من الدفاع عن أمن الوطن إلى تنمية الروح الوطنية، من خلال تعزيز لغة الثقافة والوحدة وهو المشروع الذي تبناه خادم الحرمين الملك عبدالله منذ توليه رئاسة الحرس الوطني عام 1963 وحتى اليوم. ويضاف لهذا الدور الثقافي، دور اجتماعي تستفيد منه القرى والمناطق التي يتواجد فيها أفراد الحرس وعناصره، حيث يساهمون في مساعدة أهالي القرى لإيصال المياه، والمساعدة أثناء الطوارئ البيئية، وتعزيز الدور التعليمي من خلال المعاهد والمدارس التابعة له، والدور الصحي من خلال المدن الطبية، ومراكز إنتاج الأمصال المضادة للسموم.