يتلألأ في هذه الأيام نور الوطن الساطع الذي أشرقت به الظلمات، فبدّد الله تعالى بسناه ظلام الجهل، وبطمأنينته فزع الخوف، وببلسمه وطأة السقم، حتى أضحى الظلام ضياء، والصحراء ماء، على يدي من ألهمه الله همة قادت أمة، أمة ولجت صروح الحضارة بتوفيق الله تعالى ثم بعزيمة المخلصين المتمسكين بحبل الله المتين، المستضيئين بنوره المبين، منذ أن علت راية التوحيد خفاقة سباقة في كل المحافل، منذ أن وحد الله عز وجل هذا الكيان الشامخ على يدي المؤسس الباني للمجد المجيد التليد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، عندما هبّ ووثب وحوله رجال متوشحون بعزيمة كالجبال، حتى فتح الله عليهم ما استغلق من أبواب الخير والأمن والبركة، والتي ولج الناس فيها أفواجًا ينهلون من عذب مائها، ويتنفسون عبير هوائها، مادحة صادحة بزكيّ ندائها، يهلل ويكبر في سائر أرجائها، من مهبط الوحي المبين، وقبلة الله تعالى للعالمين. وعلى سَنن الملك الباني القويم، المستلهم لصراط الله المستقيم، نهج أبناؤه البررة –رحمهم الله- حتى أظلنا هذا العهد الزاهر الميمون، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله- فغدت مملكة الإنسانية نورًا على نور، يهدي الله لنوره من يشاء، ويصطفي من عباده من يشاء، حاكمًا بالعدل، محبًا للرعية، مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر، الناس عنده سواسية في النعماء والسراء، والبلد محفوف بالله ثم به في البأساء والضراء، وهو وحوله إخوانه وأبناؤهم ورجالهم المخلصون حماة لحياض القداسة من كل حانق وحاقد، فقد بسط –أيده الله- كفيه بالهبة والرهبة، الهبة لكل من أراد بهذا الكيان الخير، والرهبة لكل من نازعه الشيطان بالشر، فحفظه الله تاجًا لهامَةٍ هامّةٍ في هذه الأمة، وحفظ سمو ولي عهده الوفي القوي الأمين وعضده المتين. إن الإنسان ليجد نفسه أمام العديد من المناسبات، ويحاول أن يعبر فيها عن ما في نفسه، وما تدفعه إليه مشاعره وأحاسيسه، إلا أن مناسبة اليوم الوطني لها طعم ومذاق خاص يمكن الحديث عنها بطريقة تختلف عن أية مناسبة أخرى، لنحاول أن نتذكر معها تلك الأمجاد والبطولات والفتوحات التي قادها مؤسس هذه البلاد –رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته- لأن هذا اليوم الوطني الأسرّ الأغرّ رمز لذكرى يتباهى بسناها الأجداد والأحفاد، فهي ذكرى انتصار الحق، وانتشار الأمن، وانتشاء النعماء، وانتفاء الجهل والجوع والسقم، هي ذكرى خالدة؛ لأنها الماضي والحاضر والمستقبل المليء بالأمل والعمل، وهي إرث تستميت دونه النفوس، وتتفانى في خلوده الأجساد والأرواح، وليس اليوم الوطني يومًا فردًا، وإنما هو أيام وأعوام وأعمار، يعي يقينًا قيمتها أهل الفِطَر السليمة السوية، والتي أدركت همم الرجال الذين على أكتافهم نهضت حضارة هذا الكيان الكبير، وعلى كواهل أبنائهم وأحفادهم تستمر هذه النهضة الميمونة المباركة. جدير بنا الوقوف والتذكير بالمنجزات التي تحققت في هذا الكيان المجيد، ولعل من المناسب ونحن ننتمي إلى وزارة التعليم العالي أن نتحدث عن أبرز المنجزات في هذا القطاع المهم؛ حيث لمسنا عن كثب ما تحقق من مشروعات وبرامج ومناشط فاقت الخيال، وتجاوزت التوقعات، وكان لها الأثر البالغ على التنمية في بلادنا المباركة، وخاصة فيما تحقق من قفزات تطويرية سريعة سابقت الزمان على جميع الأصعدة، والتي لم يكن لها أن تتحقق إلا بتوفيق الله عز وجل ثم بما تنعم به من ولاة أمر مخلصين، وخيرات واستقرار وثبات على مبادئ الإسلام السمحة، ومنها الانتماء والولاء للدين والوطن والمعتقد والمنهج الوسط. إن خادم الحرمين الشريفين يؤكد دائمًا –حفظه الله- على أن التعليم العالي يعد خيارًا استراتيجيًا للنهوض بالبلاد وشعبها، وهو الاستثمار الأمثل من بين قطاعات الدولة المتعددة، وقد عكس التعليم العالي وتطوره الملحوظ مدى الحرص والاهتمام والعناية التي يلقاها شباب المملكة العربية السعودية من لدن حكومتهم الرشيدة على أن يكونوا في مستوى التطلعات المرجوة من خلال بنائهم المعرفي والعلمي وفتح مساحات جديدة من التنوع والخيارات العديدة لكل العلوم لتحقيق طموحات الوطن وتلبية احتياجات سوق العمل من الكوادر المؤهلة وذات الكفاءة العالية لتولي مسيرة البناء وتحقيق برامجها الطموحة، ومن تلك القفزات البارزة للتعليم العالي في هذا العهد المبارك الميمون التوسع في الجامعات والكليات الحكومية والخاصة مما بوأها مكانة مرموقة في التصنيفات العالمية، ومما أتاح لها إبرام عقود من الاتفاقيات والشراكات المتعددة في علوم شتى مع نماذج من كبريات الجامعات العالمية، إضافة إلى التوسع في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث في ابتعاث كوادر من الطلاب والطالبات إلى أرقى وأعرق الجامعات، مما سيكون له أكبر الأثر بمشيئة الله في بذل المزيد من الجهود الحثيثة في تنمية البلاد وتطورها، والتي تسهم فيها بقدر وافر جامعة الملك خالد في هذه المنطقة الغالية من بلادنا المباركة مستلهمة التوجيهات السديدة من لدن صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير –حفظه الله-. إن لوزارة التعليم العالي دورًا بارزًا وحيويًا في دفع عجلة التنمية الشاملة التي يتفيأ ظلالها وطننا المعطاء في ظل قائد المسيرة والبناء والنماء خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله- وسمو نائبه وولي عهده القوي الأمين –حفظه الله- حتى أضحى لوزارة التعليم العالي دورها الريادي العلمي المعرفي في القفزات التنموية التي تشهدها مملكة الإنسانية، وذلك نظير ما يناله التعليم العالي من اهتمام منقطع النظير من قبل معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري ومعالي نائبه الأستاذ الدكتور أحمد السيف –وفقهم الله-. حقيق على كل فرد في هذا الوطن المعطاء أن يكون لبنة في هذا البناء، وبمقدار قوته ومتانته ومكانته يكون الصرح مشيدًا وطيدًا، وعلى كواهل أرباب العلم والمعرفة من الأساتذة والطلاب أمانة عظمى هم أقدر على حملها بما آتاهم الله من مسؤولية هم أهل لها وعليها، وشقائق الرجال كالرجال أمانة ووفاء، فهنّ ربيبات الشرف المنتمي إلى طيب المحتد، وأصيل المنبت. إن للوطن حقًا علينا في كل مكان وزمان، يجب أن يدركه كل منتم إليه، ودارج عليه، وكل منتسب له فيه، أو مسافر عنه بعيد منه، وليس اليوم الوطني إلا ذكرى لهذا الحق المستحق، والدَّين المستردّ، وإلا فحقوقه مع كل إشراقة شمس تذكرنا بظلام الليالي، ومع كل هدأة تشعرنا بما يعيشه غيرنا من فزع، ومع كل رشفة ماء بارد تلهمنا ما يتجرعه سوانا من لهيب، اللهَ اللهَ في وطن القداسة، اللهَ اللهَ في موئل الإيمان والأمن؛ فإنا مسؤولون أمام الوطن وولاة الأمر والتاريخ، وقبل ذلك أمام الله الذي لا تخفى عليه خافية، يوم يقول المرء: (ما أغنى عني ماليه). *مدير جامعة الملك خالد