في ثنايا كل صباح، تموج الشوارع بالناس في حركة دؤوبة في طريقهم إلى أعمالهم في صورة من صور الحراك الحياتي اليومي ..هذا معلّم بح صوته وهو يردد مع تلاميذه نشيداً وطنياً، وذاك عامل في شركة نفط يدير صنابير البترول الهادرة في طرف الصحراء.. وكلا الاثنين يعلمان أنهما يؤديان دوراً عظيماً في خدمة الأمة..ويملكان مردوداً معنوياً ربما يتعدى تأثيره ذلك المبلغ الذي يقبضانه كلما هل هلال جديد. ترى كيف يمكن لهذا العائد المعنوي أن يشكل رافداً حقيقياً يدفع الموظف إلى الإخلاص في العمل دون النظر إلى حطام الدنيا ؟ وهل يمكن أن يعوض الشعور بأهمية المساهمة في خدمة الوطن والناس الشعور بالحرمان المادي، أو التهميش الوظيفي.. يبدو أن الأمر كذلك، حيث يشير "د.محمد القحطاني" - استشاري الطب النفسي بمدينة الملك فهد الطبية - إلى أن الشعور بالمواطنة حين يبلغ ذروته ينعكس على إنتاجية ومستوى عمل الفرد بحكم مسؤوليته وشعوره تجاه الكيان الكبير المتمثل في الوطن والأمة، مؤكداً أن الدراسات النفسية تشير بجلاء إلى حقيقة ذلك،ويسمى هذا الأمر في علم النفس الشعور بالانتماء للأمة أو الجماعة. د.محمد القحطاني وأضاف: كلما كان لدى الفرد شعور بالانتماء بشكل قوي لهذه الأمة، كلما كان السلوك الإنتاجي لديه أعلى، وضرب الدكتور القحطاني مثلاً بفترة سقوط اليابان وهزيمتها في الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى أن تألم الشعب الياباني، وتصاعد شعوره وانتمائه نحو أمته كان سبباً لنهضتها الحديثة، حيث كان الاعتماد بعد هزيمة اليابان ليس على السياسات ولا على الجيش، وإنما على منتج السلوك الفردي تجاه الأرض والأمة، مما عزز من موقف اليابان وجعلها تحتل المكانة التي تعيشها اليوم من حضارة. وأكد أن الانتماء للأمة، وشعور الفرد باعتزازه كونه ينتمي إلى كيان أو أمة يحفز السلوك الإنتاجي لديه..وقال إننا نرى بعض اللاعبين الرياضيين المعروفين على مستوى العالم حتى لو كان محترفاً خارج بلده ، فانظر كيف يؤدي حين يعود ليلعب مع منتخب بلاده، ويرتدي شعار وطنه، حيث نجد أن أداءه أكبر وأصدق، لأنه مدفوع بالانتماء . وقال د. القحطاني إن الإنسان لديه عاطفتان، عاطفة شعورية، وعاطفة عميقة لا شعورية، والعاطفة اللاشعورية لا تتأثر بالعوامل التي يمر بها الفرد في علاقته بمجتمعه ووطنه لأنها مغروسة بشكل فطري في الإنسان كحب وطنه وأمته، وتابع يقول: فمثلاً حين يُهزم المنتخب يشعر المواطنون بعدم الرضا، ولكنهم يستمرون في تشجيع المنتخب كرمز وطني، ولكن على المستوى المدرك، وعلى مستوى العقل اليومي أو الحياتي، يمكن أن يؤثر عدم رضا الفرد ويتأثر سلوكه المؤقت، ولكن شعوره العميق نحو ولائه وانتمائه لا يتأثر . وضرب الدكتور القحطاني مثلاً إذا كان موظف في شركة ما، ويمنحه النظام سلما وظيفيا معينا له من خلاله حقوق واضحة ومحددة، ولم يمكّن من الحصول عليها، فسوف يشعر بالحرمان، ويصعد هذا الشعور إلى أن يكره إدارته والإدارات العليا التي لم تنصفه في الحصول على حقوقه. وطالب الدكتور القحطاني الناس الذين ليس لديهم شعور تام للرضا بالفصل بين تقصير جهة في القطاع الخاص أو القطاع العام وبين الوطن، مشيراً إلى أن ما ينبع من تقصير أو أخطاء في عدم حصول الشخص على حقه هي في الغالب أخطاء أفراد من المسؤولين في شركة أو في وزارة ما، وليس للمنشأة أو للوطن ذنب في ذلك. وقال إنه إذا أردنا أن ندعم أداء السلوك الإنتاجي في الجانب الاقتصادي، فعلينا أن نحسن من بيئة العمل في المؤسسات ونظمها المؤسسية التي تؤثر على السلوك الإنتاجي للفرد.