اليوم الوطني مناسبة خاصة غالية على كل المواطنين بل وعلى كل المحبين لهذه البلاد داخل الوطن وخارجه، ومن المؤسف أننا كمواطنين لم نتعود بعد ان نستوعب اهمية هذه المناسبة بالقدر الذي تستحقه ولم نتعلم كيف نعبر عن احتفائنا بهذه الذكرى. وعلى الرغم من مرور أكثر من مئة عام على تأسيس المملكة وعلى الرغم من تجاوزنا لمراحل كثيرة وهامة من التطور والتحول من حالة تباين وتشتت تتصف بالجهل والفقر إلى حالة من التقارب ثم التماسك ثم التشارك في الانتماء لوطن كبير بدلاً من المواطِن الصغرى المشتتة التي عاش فيها آباؤنا وأجدادنا، وعبر السنين وبفضل العمل الدائب والقيادة الرشيدة تم الاندماج في بوتقة واحدة، الامر الذي منحنا وطناً كبيرا منيعاً نعتز به. أقول على الرغم من ذلك فإن بعضا منا لا يزال غير مدرك لعظم الانجاز وأهمية المحافظة عليه، ربما لأنه تحقق بالدرجة المطلوبة من التدرج والتوازن ولم نتعرض لهزات وثورات وصراعات، فأخذ الناس هذا المنجز مأخذ الامر العادي الذي تعودوا عليه وبعضهم لا يرى فيه أمراً استثنائياً. بل بلغ الامر ببعض إلى انكار حقنا كمواطنين في التعبير عن فرحتنا بهذا المنجز والاحتفاء بهذه المناسبة. ولن أتطرق لاستعراض ومناقشة الأسباب والظروف التي أدت الى ظهور بعض المواقف السلبية أو على الاقل المترددة من الإحتفاء بهذه المناسبة، على الرغم من انني اتفهم بعض هذه المواقف وأنكر البعض الآخر، وافضل أن اقتصر في هذا المقام على التنويه ببعض الجوانب الهامة: فينبغي أولا أن ندرك أن الاحتفال بهذه المناسبة أمر صحي لإحياء روح المواطنة الحقة الإيجابية ولاستنهاض الهمم بضرورة العمل المخلص المتواصل لتطوير أنفسنا كأفراد وكأسرة وكمجتمع للرفع من مستوى قدرات هذا الوطن وإمكاناته العلمية والاقتصادية والعسكرية وترسيخ الإيمان بأن رفعتنا وتقدمنا ورفاهيتنا تنبني وتعتمد بعد الله على مدي قوة هذا الوطن. وكما علمنا التاريخ وكما تعلمنا أحداث العالم من حولنا فإن قوة ومكانة أي انسان في هذا العالم تعتمد إلى حد كبير على على قوة ومكانة وطنه. كما أنه من المهم ثانياً أن ننتهز فرصة ذكرى اليوم الوطني لنجدد أولاً حبنا ثم ولاءنا وانتمائنا لهذه الرقعة من الارض التي تشمل فيما تشمل أقدس بقاع الارض واحبها إلى الله ورسوله، ونعلّم أهلنا وابناءنا وبناتنا حب هذا الوطن وتقدير هذه الميزة النسبية التي أكرمنا الله بها لنكون أهلاً لهذا التكريم وأجدر أن نجني ثماره من التفضيل والتمكين والمثوبة. وفي هذا الجانب أرى أنه من الضروري أن ندرك أنه لا يوجد تعارض بين الولاء لله ورسوله وللأمة الاسلامية من جهة، والولاء للأوطان من جهة أخرى، فقوة ومكانة الأمة الاسلامية من قوة ومكانة الأوطان التي تشكل جسم هذه الامة. وقد اختارت كافة الدول الاسلامية أن تتبنى مبدأ الدولة الوطنية، وكلها تسعى بكل إمكاناتها لتقوية أوطانها حتى لو أدى الامر إلى اختلاف مع دولة اسلامية أخرى، وقد اصبحت الدولة الوطنية ضرورة لأسباب من أهمها اتساع الرقعة التي يقطنها المسلمون واختلاف لغاتهم وبيئاتهم ومصالهم وتوجهاتهم، كما هي سنة الله في خلقه، ولا ضير في ذلك خاصة اذا انضمت كل أو معظم هذه الدول في رابطة عليا تنظم وسائل مراعاة مصالح الامة فيما بين هذه الأوطان وتعمل على تحويل التعددية إلى مصدر قوة وتكافل لا الى سبب فرقة وتنافر. والموضوع واسع ومعقد لا مجال هنا للاستطراد فيه. كما يجب العمل على ترسيخ فكرة أننا بالرفع من مكانة هذا الوطن نزداد قوة وترتفع مكانتنا كأفراد بين بقية الشعوب كما أنه وبنفس القدر إذا رفع كل فرد منا من قدراته وملكاته فإن من أول محصلات هذا الامر أن ترتفع مكانة الوطن وتزداد إمكاناته، وهكذا تسير عملية التساقي في تتابع مستمر، فقوة الفرد تصب في قوة الوطن وقوة الوطن تصب في قوة الفرد، وويل لنا لو توقفت هذه العملية أو انحسر هذا التفاعل، حيث ذلك يؤذن لو حدث - لا سمح الله - بالانحطاط والضياع والارتكاس في متاهات التشرذم والتشتت والتنافر وربما حتى الاقتتال. ومن عاصر منا أو من آبائنا العهد السابق لتوحيد هذا الوطن يدرك تماماً ما أعنيه. والنقطة الاخيرة التي أود تأكيدها هنا هي ضرورة ترشيد مظاهر الاحتفال، فالتعبير عن الفرحة بهذه المناسبة امر إيجابي ومرغوب، ولكن في الوقت نفسه ينبغي ملاحظة أمرين: أولاً يجب الا تخرج أساليب التعبير عن الفرحة عن حدود اللياقة ويجب أن تراعي متطلبات الآداب العامة والذوق الاجتماعي، كما ينبغي المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة. وينبغي أن ندرك أن المحب للوطن والمحتفي بأمجاده لا يمكن أن ينخرط فيما يمكن ان يعود على هذا الوطن بالضرر أو الخسارة، وينبغي أن يساهم المواطن بنفسه في عدم إتاحة الفرصة للجهلة والغوغائيين والمندسين والمخربين لإفساد هذه الفرحة. والأمر الثاني أن الاحتفاء الحقيقي والأفضل هو في اتخاذ المناسبة فرصة للتأمل فيما كنا فيه قبل جيل أو جيلين فقط، وما صرنا اليه في هذه الايام، والتفكير في التحديات التي تواجهنا في هذه المرحلة التي نعيشها على المستوى الفردي الخاص والوطني العام، وما المكانة التي نرى أنفسنا فيها بعد عشر سنين أو عشرين سنة أو خمسين سنة من الآن. وليسأل كل منا نفسه ما الشيء الذي استطيع أن أضيفه أنا كفرد للمساهمة في تحقيق تلك الرؤية. ولا شك أن كل مواطن يستطيع أن يسهم بجهد بسيط هنا وإضافة صغيرة هناك، ولكن الشيء المشترك الذي يجب علينا القيام به هو تأكيد الحب والولاء لهذا الوطن بدعم قياداته وتمكين مؤسساته والمحافظة على سمعته وانجازاته وعدم إهدار طاقاته. * عضو مجلس الشورى