-1- سأرحل ... فليس هناك ما يدعو للبقاء !... سأرحل .. حتى لا تروا دمعتي تخفي صورتي السابقة ... سأرحل ... لأني أعتقد أن موعد الرحيل قد حان ... سأرحل لأن الحق معي ... رغم أنكم ترون الحق باطلاً ... سأرحل وأترك قلمي على الطاولة ، وشيء من نبض فؤادي ... وسأمسح خلفي كل دموعي التي لم تفارقني طيلة بقائي !... سأرحل ... فلا شك في ذلك ... ولكن أمهلوني مساحة من الوقت ، لأتعلم كيف أخطو خطوتي مغادراً ولا يهم إلى أين ستقودني خطوتي القادمة !...أحتاج لوقت حتى أرتب أحزاني ودموعي ، وأدسها في حقيبة الرحيل ، لأني أخاف أن أستعجل الرحيل وأنسى جرحاً قد اختبأ هنا أو هناك ، وقد يسبب نسيانه ألماً في قلوبكم حين تفتشون خلف رحيلي وتجدونه !.... سأرحل مع الراحلين ، ففي المساءات الماضية كنت المودع للكثير ، واليوم أنا المودع الوحيد لرحيلي . لا أريد أن يكون وجودي ألماً للبعض ، كما لا أريد أن يكون رحيلي ألماً للبعض ، احترت كثيراً وحين قررت الرحيل ، وجدت عيونكم ترسم أحرف الرحيل ببطء لأفهم معناها !... سأرحل وسأعلق ابتسامة على شفتي ، تلك الابتسامة التي كثيراً ما علقتها على شفتي ، والتي لم تقرؤها ولم تفهموا أنها تحتضن سنين من الوجع ، عجزت أن أخفيها عن نفسي ، وعجزت أن أحملها على ملامحي ... سأرحل وسأترك خلفي من يعرفني ومن لا يعرفني ، فمن يعرفني سيقول لقد رحل الإنسان ، ومن لا يعرفني سيقول بأني كنت ممر سهل ، وممر أسهل للجرح و الألم ... سأرحل ... لأثبت لنفسي ، بأن خلف الباب أبواباً كثيرة تنتظر من يفتحها !... -2- دعوني أرحل فقد سئمت انتظار من لا أعلم ... سئمت انتظار من لن يأتي !... لقد مللت من أن أضاجع دموعي كل مساء ، حين تنتهي سهرتي من الألم ، ليأتي صباح الغد ، وقبل أن أخرج من غرفتي للحياة ، أرسم بأصابعي ابتسامة ، أشعر بغرابتها على ملامحي ... لقد تعبت ... ورب محمد تعبت ... تعبت أن أصنع من دموعي ابتسامة ، وأخترع كل صباح من زحمة أوجاع البارحة أمل غريب ، لا يعرفه أحد حتى أنا !... سأرحل يا أحبتي ... سأرحل يا من أحببتهم بصدق ...سأرحل ولكن ... سأشطب من سجل ذاكرتي أسماء كثيرة ، ازدحمت على لساني ، وأصبح أنطقها في كل وقت ، أنادي بها وجوهاً لا أعرفها من غيابها !... دعوت الله بعزته وقدرته قبل أن أرحل أن ينسيني لغتي ... لأنسى نطق كل تلك الأسماء التي وقفت في هذا الصباح أمامها لأعلن رحيلي !... -3- بكل صدق قررت أن أرحل ، ولن ألتفت خلفي ، سأغير معالم خريطة مدينتي ، حتى لا يدفعني الشوق للعودة ، سأردد في نفسي أسماً غريباً لمدينتي ، حتى أنسى اسم مدينتي ، وعنوان مكاني !.. فقد تعبت أن أبني كل مساء على كل أرض أعيش فوقها مخازن الألم والدموع ... لقد ضاع عمري وأنا حائر .... فكل مساء أبني مخازن للدموع والألم ، وحين تشرق الشمس ، أنسى أين بنيت تلك المخازن ، ليأتي مساء جديد أبني فيه مخازن جديدة وأنساها ، ليضيع عمري وقد خلفت على كل الأراضي مخازن مسجلة باسمي لا أعرف أين هي ؟!... فلو وزعت حزني الباقي والذي لم يسعفني فيه الوقت أن أكدسه مساءً بكل تلك المخازن ، لضاع الفرح من كل الوجوه ، ولأصبح الفرح ذكرى قديمة جداً كالأسطورة ،تقوله الألسن كحكايات في مجالس الشيوخ حين يتحدثون عن زمان شبابهم الذي لا نعرفه ، ونندهش حين سماعه ، بأن تلك الحكايات كانت هنا !... وبعد كل هذا ... أخاف أن يأتي أحدهم ليسألني :- = لماذا قررت الرحيل ؟!....