لقد تكلمنا في السابق عن كيفية الوقاية من الجلطات وعلاجها بالتفصيل في مقال رابطه الالكتروني على شبكة الانترنت (http://www.alriyadh.com/2011/09/14/article667112.html وسنعرض في هذا المقام عن كيفية رعاية المريض بعد الجلطة القلبية من عدة نواحٍ وهذا ما يسمى طبياً (إعادة تأهيل مريض الجلطة القلبية).. في هذا البرنامج الذي يستمر حتى يصبح المريض مؤهلا للرجوع للحياة العملية (تقريباً من أربعة إلى ستة أسابيع) يقابل المريض عدة متخصصين: يقابل طبيب القلب اسبوعيا حيث يقوم بفحصه والتأكد من تحكمه بالسكري والكولسترول وقراءات الضغط، ويراجع تقارير المتخصصين الآخرين عن حالته، ويقابل اخصائي تغذية صحية، وكذلك اخصائي نفسي وصيدلي متخصص في تنظيم ادويته واوقاتها والرد على تساؤلاته عنها ويقابل متخصصا في الرياضة البدنية والعلاج الطبيعي وأخيرا ممرضة متخصصة في هذا البرنامج تقوم بالتنسيق بين كل هؤلاء. من توصيات الجمعية الأمريكية للقلب أن يكون هناك برنامج إعادة تأهيل في كل مستشفى يستقبل جلطات القلب كذلك يحضر عدة فصول مع مرضى الجلطات الآخرين للتعليم الصحي ويشاركهم تجاربهم ومعاناتهم السابقة وكيف استطاعوا تجاوزها ويأخذ كتيباً فيه معلومات مهمة وجداول يقوم بتسجيل معلومات عنه لزيارته القادمة مثل الضغط ومستوى السكر ودقائق المشي اليومية والاعراض التي يشتكي منها.. لقد اثبتت الابحاث من عدة دول ان وجود مثل هذا البرنامج يفيد الطبيب والمريض والنظام الصحي ككل، فالمريض يستفيد بالتحسن السريع واعادة تأهليه الدخول في الحياة العملية وتقليل رجوع جلطات القلب مرة أخرى وتقليل نسبة وفيات ما بعد الجلطة بحوالي 30% مقارنة بالمرضى الذين لم يتلقوا إعادة تأهيل ما بعد الجلطة القلبية، والطبيب يستفيد بمراقبة مريضه عن قرب ومنع المضاعفات التي يمكن حدوثها في تلك الفترة، اما النظام الصحي فتقل كلفة مريض الجلطة كثيرا وتقل زياراته للمستشفى وقسم الطوارئ خلال فترة ما بعد الجلطة، ولذلك فإن جمعية القلب الامريكية أعطت توصية دخول البرنامج التأهيلي بعد الجلطة (الدرجة الأولى) وهي أعلى درجات الأهمية، ويبدأ البرنامج عادة داخل المستشفى عندما تستقر حالة المريض، وتعرف علمياً استقرار حالة المريض بعدم حصول آلام في الصدر او اختلال في الضغط او النبضات او ضيقة في التنفس خلال الثماني ساعات السابقة. أوجه إعادة التأهيل: 1- معايير مهمة لمريض الجلطة: يجب ان يحافظ مريض الجلطة على ما يلي: - ألاّ يتعدى الضغط 120-125 ملم من الزئبق، والكولسترول الضار LDL ألاّ يتعدى 2 والكولسترول الحسن ألاّ يقل عن 40 والدهون الثلاثية، ألاّ تزيد عن 1.7 والمعدل التراكمي للسكر ألا يتعدى 7%. 2- المعايير الغذائية: كل مريض جلطة يجب ان يكون اكله (50% كربوهيدرات و30% دهون غير مشبعة و20% بروتين) مع خمس مرات يوميا تناول للفواكه والخضروات، ويقلل من تناول الملح. 3- الوزن: يجب ألّا يتعدى خصر مريض الجلطة من الرجال 102 سم ومن النساء 88 سم ويكون تقسيم وزنه على طوله تربيع أقل من 25 بمعنى اذا كان طوله 160 سم فيجب ألّا يزيد وزنه عن 64 كجم، أما اذا كان 180 سم فيجب ألاّ يزيد وزنه عن 81 كجم. 4- الرياضة: في القديم كان لا يسمح للمريض بجلطات القلب الحادة بالحركة من سريره نهائيا لمدة اسبوع!! ولكن مع تطور الطب ومعرفة الكثير عن الجلطات اصبح مريض الجلطة اذا كانت حالته مستقرة وتم فتح الشريان يستطيع الحركة خلال 8 ساعة وتبدأ بالمشي داخل الغرفة من 2-5 دقائق مرتين يومياً ويجب ألا يزيد نبضه عن 120 في الدقيقة (او 20 دقيقة عن نبضه قبل المشي) وكذلك يجب ألّا يزيد معدل إجهاد المريض عن 13 من 20 في مقياس بورج (مقياس لتعب المريض وإجهاده) ثم ينتقل للمشي بين الغرف تدريجيا.. إلخ. 5- إيقاف التدخين: كل مرضى الجلطات بدون استثناء يوقفون التدخين خلال حصول الجلطة، بل إن بعضهم يقسم بأغلظ الايمان ألّا يرجع الى التدخين، ولكن بعد خروج المريض ورجوعه الى حياته السابقة واطمئنانه يغلب عليه النسيان وهي طبيعة في بني آدم، حيث إن 30% يرجعون الى التدخين خلال ثلاثين يوماً من حدوث الجلطة و60% خلال سنه واحدة من حدوث الجلطة! وهنا يأتي دور الطبيب حيث يجب ان يكون هناك برنامج تأهيلي شامل لمرضى الجلطة حيث تعطى لهم الادوية التي تساعد على ايقاف التدخين نهائيا حيث ثبت في الدراسات الطبية ان على معوضات النيكوتين والادوية التي تعالج الاعراض الانسحابية لايقاف الدخان مثل varenicline تصل نسبة الايقاف الى 40% وهي نسبة عالية مقارنة بمجرد النصح التقليدي في المنزل والعيادة الذي لا تتعدى به نسبة الاقلاع عن 10%. 6- الاكتئاب: حوالي 20% من مرضى الجلطات يعانون من الاكتئاب وهذا عرض يهمله كثير من الاطباء ظنا منهم انه مؤقت وسيزول بعد ذهاب الصدمة والحقيقة ان بعضا منهم تستمر معه هذه الاعراض فينعزل عن الناس وينطوي ولا يستسيغ الطعام وتنقلب عنده ساعات النوم بل ان بعضا منهم تصل به الحالة الى التوقف عن اخذ الادوية، ولذلك يجب على الطبيب والعائلة متابعة تلك الاعراض ومعالجتها بالدواء فورا عند ظهورها، ومن نعم الله سبحانه ان الدواء الفعال متوفر وفعال ايضا حتى يمكن رجوعه عضوا فعالا في المجتمع. 7- ممارسة الحياة اليومية: يستطيع المصاب بالجلطة معاشرة أهله خلال اسبوع وقيادة عربته بعد شهر واحد ولا ينصح بالسفر الا بعد اسبوعين حسب الدراسات الحديثه، وأغلب المستشفيات في العالم تعطي اجازة شهر كامل من العمل وتقيم حالته بعد ذلك اذا كان يمكنه الرجوع الى العمل وطبيعة ذلك العمل الذي يمكنه الرجوع اليه بعد تلك الفترة. وأخيرا فإن برنامج تأهيل مرضى جلطات القلب هو نقلة نوعية في رعاية مرضى الجلطات ويعتبر من اساسيات علاج مرضى جلطات القلب في القرن الحديث ولا يكتمل علاج أي مريض الا به، ويبقى ان نتكاتف كلاً فيما يخصه للوصول لذلك الهدف السامي.