من أبرز المعالم الأثرية والتاريخية بمنطقة القصيم بقايا (قصر مارد) - كيلوان شرق عين بن فهيد في محافظة الأسياح بمنطقة القصيم -، حيث لا يُعرف تاريخ بنائه، إلاّ أن أكثر الروايات ترجح بناءه في القرن العاشر الهجري على شكل حامية عسكرية بواسطة ما عُرف بسلطان مارد - الذي يقال إنه أُرسل من قبل أحد ولاة العراق على رأس فوج من ألف مقاتل لحماية الحجاج من غارات اللصوص -، وتشير رواية أخرى إلى أنه تمرد على الدولة العثمانية فانفصل بجنوده، ثم التجأوا إلى هذا المكان الذي شيدوا به القصر على شكل حامية عسكرية على رأس ربوة صغيرة على هيئة قصر مارد المعروف بالجوف، وبنفس مواد البناء المعتمدة على الحجر الصغير والآجر (الطين المحروق)، ولهذا السبب سمي بسلطان مارد، وقد اختلفت حول سلطان مارد الروايات أيضا وهل هو عربي أم أعجمي أم كردي أم رومي -أي تركي-، حيث كانت كلمة (رومي) تطلق على كل أوروبي. شاهد على «أحلام الثراء» وملحمة الدفاع عن شرف «ميثا»! كنوز مدفونة وعلى مدى القرون الماضية ظل القصر شامخاً بمعظم مكوناته إلى أن أنهكته عوامل التعرية وطاله عبث الإنسان في السبعينيات الهجرية تقريباً، وتحديداً عندما انتشرت شائعات عن وجود كنوز مدفونة من الذهب والفضة مخبأة في مكان ما من القصر، وتناقل الناس حينها تفاسير أحلام تقول: إن رجالاً صالحين زارهم زائر المنام وأرشدهم إلى وجود مئات الكيلوات من الذهب مدفونة في المكان الفلاني، أو مغمورة في الركن أو السقف الفلاني، حيث الاعتقاد أن من يأتي بحثاً عن كنز على خلفية حلم رجل صالح، أو له نفسه يكون ضماناً له من أذى (الرواصيد) - وهم حرّاس يقولون إنهم يكلفون بحماية الكنوز طوال الدهر، وهم عبارة عن ثعابين شرسة تهاجم وتقضي على كل من يعتدي عليها -، ورغم ذلك كانت عمليات الحفر والعبث تتم غالباً في ظلمة الليل حتى لا يكتشف أمرهم أحد فيشاركهم الغنيمة!. سلطان مارد أعجب ب«ميثا» وهي متزوجة وهرب «الضياغم» وتركوا له «أمه» في الخيمة حلم الثراء ويتداول أهالي الأسياح قصص بعض المغامرين - الذين قادهم حلم الثراء والعثور على الكنوز المدفونة أن يقدموا إليه من أماكن بعيدة -، مثل قصة الرجل الذي هاجر من الأسياح فقيراً إلى الرياض مع رحيل المهاجرين إلى (مناخة ثليم) أوائل السبعينيات الهجرية، إلاّ أنه بقي فقيراً أيضاً، وفي أحد الليالي أتاه مبشراً (منابي) في منامه وقال له: (قم يا ميت النار.. شف رزقك بقصر مارد)، وحدد له المكان في ظل العصر عند أحد الجدران التي يعرفها جيداً وأوصاه بالصبر وأن يكون صامداً ويكثر من ذكر الله عند البحث عنه في الليل، وفي الصباح ركب إحدى السيارات المسافرة للقصيم مع ابنه (أمين سره) إلى ان وصلا القصر يحملان بعض أدوات الحفر البسيطة، واختبآ في مكان قريب منه بعد ما وقفا على المكان لمعرفة نهاية ظل العصر الذي حدده زائر الليل، وعندما خيّم الظلام بدأا عملية الحفر واستمرا في سباق مع ظهور أعمدة الفجر، إلا انهما وفق ما قالا بعد ذلك؛ بأنهما بعد ما (أنهرس الليل) بدأا يشعران بمن يقذفهما بالحجر حتى انهال عليهما الحجر من كل مكان؛ ففرا وتركا وسائل حفرهما وملابسهما في المكان الذي عادا لها في الصباح، ثم غادرا بعدها مفلسين إلى الرياض!. «دق الوتد» على طرف ثوبه واعتقد أن الجن أمسكوه.. وآخر هرب بعد قذفه بالحجارة الخوف من الجن! وقصه أخرى وإن كان لا علاقة لها بالكنز، إلاّ أنها تصف هيبة القصر والخوف من مهاجمة الرواصيد والجن التي تغذيها حكايات التهويل، وبالتالي الخوف من دخوله والاقتراب منه ليلاً، ويقال في ذلك إن رهاناً حصل بين اثنين على الذهاب إلى القصر منتصف الليل، ودق (وتد) في أرضية مكان تم تحديده، وأخذ الشخص المتحدي الوتد وذهب إلى القصر، ومن سوء الحظ أنه أثناء دق السيخ الحديدي دقه على طرف ثوبه الثقيل والواسع، وأثناء ما أراد الانصراف شعر أن هناك من يمسك بطرف ثوبه، واعتقد أنهم الجن الذي أخذ يتوسل اليهم ويحلف لهم الحلف تلو الآخر أنه لن يعاود المكان إن هم تركوا حال سبيله، ثم تل طرف ثوبه وهرب عائداً إلى قريته بعد أن اصيب بلوثة عقلية طاف بسببها العديد من الرقاة والمعالجين إلى أن شفاه الله بعد زمن طويل!. الدفاع عن شرف «ميثا» تحول إلى ملحمة تاريخية تتناقلها الأجيال قصة ميثا أما القصة التي يؤكد صحتها أهالي الأسياح نقلاً عن أسلافهم - كما تؤكدها أيضاً بعض كتب التاريخ -؛ فهي قصة (ميثا الضيغمية)، وتعد القصة واحدة من أعظم قصص تاريخ المنطقة، حيث تجسدت فيها كل معاني البطولة والتضحية في سبيل الدفاع عن قداسة الشرف (شرف المحارم) بين حفنة من البدو وسلطان مارد بعدته وعتاده الذي طمع بإحدى الفتيات عندهم بعد ما نقل له جمالها فطلبها سبية (منيحة)، رغم أنها في ذمة فارس من رجالهم، أما الطرف الأضعف فهم - كما ذكرنا - الضياغم، وهم أهل الفتاة الذين ينسبهم العامة إلى بني هلال ومازالوا يسمون عند بعضهم (جهلا) بهذا الاسم، ويبنون هذه الافتراضية على قصيدة لشاعرهم اختارها على الطرق الهلالي الذي يختاره أغلب الشعراء في وصف قصائد الحرب: تهيا لنا عند أبرق السيح عركة تمنى بها حضور الرجال غياب سلطان مارد يقال أنه أُرسل من قبل أحد ولاة العراق وقيل تمرد على الدولة العثمانية ورغم أن قبيلة بني هلال قد رحلت من الجزيرة في القرن الخامس الهجري إلى تونس الخضراء، إلاّ أن الطرق في مذهب الشعراء مشاع، والطرق الهلالي يقال حتى يومنا هذا، أما الضياغم هؤلاء فهم فخذ من قبيلة عريقة في الجزيرة العربية، ولا علاقة لهم ببني هلال، وهذه معلومة مؤكدة لا بد من التنبه لها عند رواية أو تدوين أحداث القصة. وتفاصيل القصة وفقاً للروايات أن سلطان مارد الذي بلغ من القوة والنفوذ ما جعله يعتقد أن أحداً لا يستطيع أن يرد له طلباً؛ رأى شاباً صغيراً يسبح في ماء إحدى العيون الجارية؛ فأعجب بجماله وبياض وتفاصيل جسده، وسأل من حوله هل يوجد لهذا الفتى أخت فسمعه فارس اسمه (عرار بن راشد) من قبيلة الضياغم، وكان "عرار" هذا على خلاف مع ابن عم له يسمى "عمير"، وأراد أن يكيد له مكيدة، قال له نعم يوجد له أخت أجمل منه بكثير اسمها "ميثا"، ويمكنك أن تطلبها من كبير القوم "عمير بن راشد"، وكانت "ميثا" تلك هي زوجة "عمير" نفسه؛ فاستدعى سلطان مارد "عمير" وطلب منه العودة إلى بيته وإحضار "ميثا" في الحال، وعاد بعد ذلك "عمير" إلى قومه الذين كانوا يترقبون عودته، حيث كانوا يعيشون في حالة من القلق والتوتر؛ بسبب استدعائه المفاجئ على غير العادة، ثم يتصاعد سيناريو القصة كما في الروايات الشعبية انه يوجد ل"عمير بن راشد" أخ اسمه "حميدان" كان قد أصيب بطعنة في إحدى المعارك منعته من القدرة على النطق لسنوات وأصابته بعاهة لا تزال تلازمه والذي رأى بفراسته علامات الغضب ظاهرة على شقيقه "عمير" أثناء قدومه من على بعد، وذلك من خلال مقاس طول (الجوخة) التي كان يلبسها والتي كانت أقصر مقاساً عندما قدم إليهم؛ مما يدل على شدة الغضب؛ فبادره القوم بالسؤال عن الأمر.. وعندما سمعه حميدان يقول بأنهم: يريدون "ميثا" سبية نطق "حميدان" للمرة الأولى وصرخ (ميثا..لا) وكرر معه قومه (ميثا..لا). إذن؛ ليس لهم إلاّ الحيلة لعدم قدرتهم على مواجهة بطش هذا الظالم المستبد الذي يمتلك نحو ألف مقاتل مزودين بالعتاد والعدة والدروع، بينما لا يتجاوز عدد الضياغم أكثر من أربعين فارساً، وبعد أن تشاور مع قومه عاد إلى سلطان مارد وتوسل إليه أن يمهلهم إلى الصباح حتى يهيئوا الفتاة على فراق أهلها وقبيلتها الذين ينوون الرحيل، وتعهد له أنهم سيرحلون مع تباشير الفجر ويتركون "ميثا" وهي نائمة في خيمتها. القصر على شكل حامية عسكرية ويشبه قصر مارد المعروف بالجوف وفي صباح اليوم التالي وعلى الموعد المحدد ذهب سلطان مارد بنفسه على ظهر حصانه مع بعض جنوده، وعندما دخلوا الخيمة صدموا بوجود (أمة سوداء) تركها "عمير" وقومه ورحلوا في منتصف الليل؛ فعاد سلطان مارد إلى القلعه وطلب عقد اجتماع عاجل مع قادته وجنوده، ثم قرروا الاستعداد، ومن ثم اللحاق بالضياغم لتأديبهم وسبي "ميثا" منهم بالقوة، ولحقوا بهم بالفعل، وهناك دارت واحدة من اشرس المعارك بين الطرفين في مسافة يعرفها أهل الاسياح بين أبرق السيح (أبرق الأسياح) وروضة الصريف (20) كم، ولأن المجال لا يتسع لسرد بقية القصة فسوف نستكملها - بمشيئة الله - في حلقة خاصة عن (الصريف)، وهو أيضاً أحد الأماكن المعروفة التي ظلت في ذاكرة التاريخ بعد أن نسلط الضوء على هذا المكان، وحصر جملة من الأحداث التي كانت معركة سلطان مارد إحداها بعد ما انتقلت المعركة وحسمت هناك. مواد بناء القصر حجر صغير وطين محروق تأهيل القصر أعود إلى قلعة أو قصر مارد في الأسياح - الذي يعد من أبرز المعالم التاريخية في القصيم إن لم يكن الأشهر على الإطلاق -، حيث تعرض لنوع من الإهمال والتهميش حتى أن بلدية محافظة الاسياح استكثرت وضع لوحة على الطريق العام تعرّف بالقصر وموقعه ضمن مشروع تسمية مدن وقرى المحافظة العام قبل الماضي، والتي شملت مواقع أثرية أقل منه شأناً، والاهم من ذلك اهتمام هيئة السياحة والعمل على إعادة تأهيله وترميمه وفق ما يتصوره خبراء الآثار بعد ما اختفت معالمه، ولم يبق إلاّ بعض الجدران والأقواس كما يمكن الاستعانة أيضاً ببعض كبار السن من أهالي الأسياح الذين مازال يتذكر بعضهم الكثير من ملامح القصر، من خلال الجدران قبل تهدمها علماً أن هناك من نقل لي أن شركة ارامكو تحتفظ بصور لهذه القلعة صورت قبل أكثر من سبعين عاماً، وبالإمكان مخاطبة الشركة والتنسيق معها إن كان لديها صور بالفعل والإفادة منها في إعادة الترميم.. والى حلقة قادمة نستكمل بها بمشيئة الله ملحمة الدفاع عن شرف (ميثا الضيغمية) والقصيدة المشهورة التي روت بعض تفاصيل المعركة وحددت مكان دفن ضحاياها الذين سقطوا ذلك اليوم. شائعات مستمرة عن وجود كنوز مدفونة من الذهب والفضة في القصر هيئة السياحة تعمل على إعادة تأهيله وترميمه حيث لم يبقَ إلاّ بعض الجدران والأقواس أكثر الروايات ترجح بناء القصر في القرن العاشر الهجري البحث عن كنوز في القصر لا يزال هاجس الكثيرين